الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى يكتب: صفعة الدوحة التي هزت العالم العربي


في التاسع من سبتمبر 2025، قامت إسرائيل بتنفيذ غارة جوية جريئة في العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة قيادات حركة حماس في سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها التي تقوم فيها إسرائيل بعمل عسكري داخل أراضي دولة خليجية ذات سيادة.
الغارة التي نفذتها عشر طائرات مقاتلة من طراز F-15 وأطلقت خلالها 12 صاروخاً، أسفرت عن مقتل ستة أشخاص بينهم نجل القيادي في حماس خليل الحية ومدير مكتبه وعنصر من قوة الأمن الداخلي القطري، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية القطرية وحركة حماس .
** لكن الأكثر إثارة للصدمة الضربة نفسها، بل السياق الذي تمت فيه: دولة عربية تقيم علاقات طيبة مع إسرائيل، تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وتلعب دور الوساطة بين إسرائيل وحماس بطلب أمريكي، تتعرض لانتهاك صارخ لسيادتها بينما يبدو العالم الغربي وحلفاء المنطقة متواطئين أو صامتين. هذه الحادثة لم تكشف فقط عن حقيقة التحالفات في المنطقة، بل كشفت النقاب عن واحدة من أكبر الخيانات السياسية في العلاقات الدولية الحديثة.
• علاقات إسرائيلية قطرية متذبذبة
** من التطبيع الخجول إلى القطيعة المتقطعة
- علاقة تجارية مبكرة: أقامت قطر وإسرائيل علاقات تجارية منذ عام 1996، لتكون قطر بذلك أول دولة على الحدود مع الخليج العربي تقوم بذلك . وشملت هذه العلاقة افتتاح مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة، وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز للدوحة في نفس العام .
- تباين في المواقف: على الرغم من هذه العلاقات، اتسمت السياسة القطرية بنهج ثنائي حيث انتقدت قطر بشدة السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، لا سيما فيما يتعلق بمستوطنات الضفة الغربية والعمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية .
- دور الوساطة: لعبت قطر دور الوسيط الرئيسي بين إسرائيل وحماس، وشاركت بفعالية في آلية المساعدات الإنسانية لغزة . وهذا الدور منح قطر مكانة دبلوماسية متميزة وحافظ على قنوات اتصال مفتوحة مع جميع الأطراف.
** تذبذب العلاقات عبر السنوات
- تدهور مؤقت: في عام 2000، أغلقت السلطات القطرية مكتب التجارة الإسرائيلي في قطر، وذلك بعد بدء الاجتماع الوزاري لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي . لكن وفقاً لتصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، فإن قطر لم تقفل المكتب فعلياً بل طلبت من المسؤولين الإسرائيليين البقاء بصمت .
- زيارة غزة التاريخية: في عام 2012، قام أمير قطر بزيارة تاريخية إلى غزة، كانت الأولى من نوعها لزعيم عربي منذ الحصار الإسرائيلي على القطاع، مما أثار غضب إسرائيل .
- تصريحات مشجعة: في أبريل 2013، قال رئيس الوزراء القطري آنذاك الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إن الاتفاقات النهائية مع الفلسطينيين يمكن أن تشمل مبادلة الأراضي بدلاً من التمسك بحدود عام 1967، مما لاقى ترحيباً إيجابياً في إسرائيل .
• الدور الأمريكي: بين التواطؤ والخيانة
• أدلة التواطؤ الأمريكي
- علم مسبق دون تحذير: أفاد مسؤول في البيت الأبيض بأن الإدارة الأمريكية "أُبلغت بالضربة الإسرائيلية قبل تنفيذها" .
- لكن وفقاً للسيناتور الديمقراطي كريس كونز، فإن إسرائيل لم تخطر الإدارة الأمريكية مسبقاً بخطتها، مما يشير إلى "تآكل حقيقي في الثقة بين إسرائيل والولايات المتحدة" .
- الوجود العسكري الأمريكي في قطر: يشكل الوجود العسكري الأمريكي الكبير في قطر (في قاعدة العديد) سبباً إضافياً لتوقع أن يتم إبلاغ واشنطن مسبقاً بأي عمل عسكري في الأراضي القطرية .
- تصريحات ترامب الملتوية: عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عدم سعادته بالغارة الإسرائيلية، قائلاً: "أنا لست سعيداً بهذا الوضع برمته. إنه وضع غير جيد... لسنا سعداء بالطريقة التي سارت بها الأمور" . لكنه في الوقت نفسه سارع إلى توضيح أن الغارة "لم تكن قراره" .
• تحليل الخيانة الأمريكية
- المصلحة الإسرائيلية أولاً: يبدو أن الولايات المتحدة فضلت المصالح الإسرائيلية على حساب سيادة حليف استراتيجي يضم أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة .
- تآكل المصداقية الأمريكية .. وبحسب التحليل، فإن هذه الضربة تمثل ضربة أخرى لمصداقية ترامب الدولية المتدهورة بالفعل.
حيث يظهر التواطؤ أو العجز الأمريكي أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على ضمان أمن حلفائها.
-رسالة إلى دول الخليج .. قال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل إدوارد جيرجيان: "من الواضح أن إسرائيل لا تولي اهتماماً كبيراً لمصالح الأمن القومي الأميركي" كما قال ان تلك الضربة لو لم تحقق هدفها الكبير ستنجح فى الضربات القادمة .
وهذا يرسل رسالة خطيرة لدول الخليج الأخرى التي تستضيف قواعد أمريكية.
• القواعد الأمريكية: حماية أم تهديد؟
• قاعدة العديد: الوجود الأمريكي في قطر
- أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة : تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط في قاعدة العديد الجوية.
- تجهيزات متطورة: تضم القاعدة أحدث الأنظمة التسليحية الأمريكية وتستطيع استيعاب آلاف الجنود والطائرات المتطورة .
- حماية أمريكية مشكوك فيها:. ورغم هذا الوجود الضخم، فشلت الولايات المتحدة في منع أو التحذير من الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية.
• القواعد الأمريكية منصات لإسرائيل
**حماية المصالح الإسرائيلية: تشير الأدلة إلى أن القواعد الأمريكية في المنطقة أصبحت منصات عسكرية لخدمة الأجندة الإسرائيلية أكثر من كونها أدوات لحماية الدول المضيفة.
** تهديد للسيادة: بدلاً من حماية سيادة الدول المضيفة، أصبحت هذه القواعد مصدر تهديد لسيادتها كما حدث في قطر، حيث استخدمت إسرائيل المجال الجوي والجغرافي للمنطقة لتنفيذ عملياتها.
• الاستغلال الاستراتيجي
يتم توظيف الوجود العسكري الأمريكي لخدمة أهداف إسرائيلية تحت غطاء الحماية المشتركة، مما يعرض الدول المضيفة لخطر الصراعات الإقليمية دون ضمانات حماية حقيقية.
• هل ستكون هناك صحوة العربية: من التطبيع إلى الخيانة
** صدمة ما بعد الضربة ..
- خيبة الأمل القطرية: من المتوقع أن تشكل هذه الحادثة صدمة للقيادة القطرية التي كانت تثق بالحماية الأمريكية وتلعب دور الوساطة بموافقة أمريكية.
- تداعيات على التطبيع: قد يكون لهذه الحادثة تأثير سلبي على جهود التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، حيث ستشعر هذه الدول أن إسرائيل لا تحترم سيادة الدول العربية حتى تلك التي تتعاون معها.
• ضرورة إعادة تقييم التحالفات
** مراجعة سياسية عاجلة: على الدول العربية التي تستضيف قواعد أمريكية مراجعة تحالفاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والتأكد من وجود ضمانات حقيقية لسيادتها وأمنها.
**بحث عن بدائل إقليمية: قد تدفع هذه الحادثة الدول العربية إلى الاعتماد أكثر على التحالفات الإقليمية والتكامل الأمني العربي بدلاً من الاعتماد الكلي على الحماية الأمريكية.
**إعادة تعريف العلاقات مع إسرائيل: يجب على الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع إسرائيل وضع ضوابط واضحة تحترم فيها إسرائيل سيادة هذه الدول وتتجنب انتهاك أراضيها.
• الصحوة العربية ضرورة
حادثة الضربة الإسرائيلية على الدوحة ليست مجرد انتهاك لسيادة دولة عربية، بل هي صك اتهام بحق النظام الإقليمي العربي بأكمله الذي راهن على التحالفات الخارجية وتبني التطبيع مع إسرائيل دون ضمانات كافية.
لقد كشفت هذه الحادثة أن القواعد الأمريكية ليست أدوات حماية للدول المضيفة، بل قد تتحول إلى قواعد للتهديد عندما تتعلق المصالح الأمريكية بالإسرائيلية.
الرسالة التي يجب أن تصل إلى الحكام العرب واضحة: "اللي متغطى بأمريكا عريان". لقد حان الوقت لصحوة عربية حقيقية، لإعادة تقييم التحالفات، ولبناء نظام أمني عربي مستقل، ولوضع شروط واضحة لعلاقات مع القوى الدولية تحترم فيها سيادة الدول العربية وتصان كرامتها.
الخيارات صعبة والتحديات كبيرة، لكن الدرس من ضربة الدوحة واضح
لا أمن ولا استقرار للعرب دون اعتماد على الذات أولاً، ودون وحدة عربية تحمي القرار والسيادة.