شبراوى خاطر يكتب : هدف الحياة
تعجبني بعض الحكايات، والتي احب ان أقصّها على رفقائي عملاً بالأمر الإلهي: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9]
والقصة كما يحلو لي سردها هي: يُحكى أنه كان في أحد المدن الساحلية صياد لديه قاربه الصغير، وكان يبحر به مبكراً كل صباح للسعى لرزقه، ثم يعود قبل الظهر بما رُزق، فيبيع اغلبه ويحتفظ ببعضه لطعامه وطعام اسرته، وهكذا يفعل كل يوم.
وفي أحد الأيام كان هناك رجل آخر يسعى لرزقه، يعمل في قسم الأئتمان في أحد بنوك المدينة، وكان ان التقى بالصياد وهو يشرع في عرض صيد شبكته للبيع، فوقف عنده والقى عليه التحية وقال له، عندي لك عرض مغري وسوف يكون ذو فائدة عظيمة لك وقد يغيّر مستقبلك.
فقال له الصياد: هات ما عندك.
فقال رجل المصرف: أرى ان قاربك صغير، وإذا كان لديك قارب أكبر، يمكنك صيد كمية أسماك أكثر. وانا استطيع المساعدة لإقراضك مبلغ من المال من المصرف الذي أعمل به، لتبيع هذا القارب الصغير وتحصل على قارب أكبر.
فقال له الصياد: لماذا؟
فقال له رجل المصرف، عندما تصيد كميات اكبر في المرة الواحدة، تبيعها وتكسب أكثر.
فقال له الصياد: ثم بعد؟
قال رجل المصرف: عندما ينتهي أجل هذا القرض، يمكنني إقراضك مبلغ آخر أكبر، وتشتري قارب آخر أكبر، ويكون لديك قاربان.
فقال له الصياد: ثم بعد؟
فقال له رجل المصرف، بمرور الزمن يمكن أن يكون لديك أسطول صيد، ومخازن، وربما مصانع تعليب وتصبح ثري.
فقال له الصياد: لماذا افعل كل ذلك؟
فقال له رجل المصرف: بعد كل هذا التعب والكفاح تحقق الثراء لكي ترتاح وتسعد في حياتك.
فقال له الصياد: ياااه كل هذا لكي اسعد وأرتاح بعد عمر طويل من الصراع والكفاح والقلق والتعب.
"طب" أنني الآن بالفعل سعيد ومرتاح.
هل يبدو أن هذه الحكاية تدعو للكسل وكبت الطموح، أم انها بالفعل فلسفة حياتية وجودية؟
هذا الصياد اختار الحياة من اجل الحياة، وربما يؤمن بفلسفة الشاعر الالماني "يوهان فولفغانغ فون غوته" 1832-1749
كان شاعراً وعالماً طبيعياً وواحداً من أهم مبدعي الشعر باللغة الألمانية، ومن أشهر أعماله آلام فيرتر، وفاوست، وغوتس فون برليشنغن، ومسرحيات نزوة عاشق،
فعندما بلغ "جوته" الثمانين من عمره كتب في يومياته: "هل بلغت الثمانين؟ وهل يجب علىّ لذلك ألا أتغير، وأن أعمل كل يوم مثل اليوم السابق؟ إني أحس كأني اختلف عن سائر الناس وأبذل مجهوداً أكبر منهم, كي أفكر كل يوم في شيء جديد، حتى أتجنب السأم. أجل، يجب أن نتغير على الدوام وأن نجدد شبابنا على الدوام، وإلا تعفّنا"
وكان نهج "جوتة" في الحياة هو ما يميزه اكثر من أشعاره وأعماله ومؤلفاته، حيث يقول إن غاية الحياة هي الحياة، للتعلم، والاختبار حتى نزداد فهماً لأنفسنا والطبيعة، فنزداد بذلك استمتاعاً.
إن عبقرية "جوته" كما وصفه المفكر والأديب المصري "سلامة موسى" لم تكن في الأدب أو الفن أو العلم، وإنما كانت في شخصيته، ولقد عيب عليه ذات مرة أنه لا يُعني كثيراً بموهبته في الشعر والأدب، فكان جوابه: إن من حقي أن أُعني بشخصيتي وهي أكبر من أدبي. ذلك لأن اهتمامه الأول كان بالحياة، وكانت الثقافة عنده وسيلة وليست غاية. ويعلق "سلامة موسى" على ذلك بقوله: أن الأمة التي ارتقت في ثقافتها إلى المرتقى الذي تستطيع أن تفهم فيه أن رسالة الحياة هي الحياة نفسها، هي الأمة الراقية. أما إذا كانت تجعل الحياة وسيلة لأي نشاط آخر أو هدف آخر، مثل الثقافة أو الصناعة أو الثراء أو غير ذلك، فهي أمة غير راقية.
وهذه هي قيمة "جوته" التي ستظل خالدة حيث يرى أننا يجب أن نحيا حياتنا في تعلم واختبار واستمتاع.
ولا أدري هل كان عمنا "صلاح جاهين" من مريدي جوته عندما وضع رباعيته الملهمة والتي قال فيها:
أحب أعيش ولو في الغابات
أصحي كما ولدتني أمي و ابات
طائر .. حوان.. حشرة .. بشر ..بس أعيش
محلا الحياة.. حتي في هيئة نبات
عجبي !!
وإلى هنا سوف ادلو بدلوى وأقول بعد هذا العمر، والتجارب التي خضتها والصراعات التي انجرفت إليها، والصراعات التي فُرضت عليا، أعترف بأنني أتفق مع "جوته" ومع الصياد، ومع رباعية صلاح جاهين.
ففي كثير من الأحيان كنت أتبع فلسفة الحياة للحياة، للتعلم، وخوض الاختبارات وتحمل عواقب الاختيارات، وتذوق الشهد وذرف الدموع في الفرح والغم، ومقاومة الفشل والإحباط والسقوط والوقوع والنهوض، مدفوع بإيمان فهمته ووعيته بعد عمر طويل بأننا جميعنا نركب العجلة الدوارة كما في الملاهي، ولا ينزل منها سوي من يوسّد جسده تحت ترابها، فتارة نصعد للأعلى ونسعد ونفرح ونكاد نلمس النجوم، وتارة أخرى نهبط إلى الاسفل لنقترب من الأرض ونلمس الطين.
هذه هي الحياة، ولا شئ سوى ذلك، فكلما ارتفعنا الى أعلى نقطة نعلم أن وقت الهبوط قد حان ولا مفر من ذلك فرهدي خوفنا لأن المجهول اصبح متوقع، وعندما نلمس القاع فهذه إشارة بدنو لحظات الصعود وهو امر حتمي نتفائل ونستمتع به.
ولا أنسى أبدا مقولة أحد الاشخاص والذي قابلته في ظروف سوداوية في حينها عندما قال لي " أنا الآن بدأت استمتع بالقرف والبؤس" ذلك لأنه إذا غمرك فمعناه أنه إلى زوال، كما يُقال في المثل الشعبي "وقوع البلاء ولا انتظاره.
وكما غنّى فريد الاطرش من كلمات أحمد بدرخان منذ ٧٧ عاماً
الحياة حلوة بس نفهمهـا
الحياة غنوة ما أحلى أنغامها
أرقصوا وغنوا وانسوا همومها
الحيـــاة حلــوة*












إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة نصف نقل بطريق السويس الإسماعيلية
مصرع شخص سقط من الطابق الرابع بأكتوبر
الداخلية تكشف حقيقة خطف موظفة والتعدي عليها بالجيزة
انهيار عقار بمنطقة اللبان في الإسكندرية
أسعار الذهب اليوم الأربعاء فى محلات الصاغة
أسعار الذهب اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025
أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025
سعر الذهب في الصاغة اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025