دكتورة سلوى سليمان تكتب : المرحلة الملكية


هناك مرحلة في الحياة تدعى المرحلة الملكية ، يصل إليها الانسان عندما ينضج ، وبعد مروره بخبرات كثيرة ؛ تلك المرحلة التي يمتلك فيها حياته، وتتسع فيها مشاركته، وتبعد فيها النظرة ويتسع فيها الصدر، وتتشكّل بعد جملة من الخبرات وسلسلة من التجارب وكمٍ من المواقف يتعامل صاحبها معها بعقل واعٍ وفكر يقظ؛ فيتعلم منها أشياء جميلة وإن أتت متأخرة! ولكن أن تصل متأخره خير لك من أن لا تصل. تلك هى المرحلة الملكية ويحللها د. خالد بن صالح المنيف قائلا :
مع توالى الأعوام سيصل بعض البشر لمرحلة من النضج تدعى المرحلة الملكية ،وكلمة الملكية ترمز إلى أمرين جميلين أولها: فخامة وروعة المرحلة، والأمر الثاني: يعني أن حياتك ستكون ملكاً لك، وستهنأ فيها بممتلكات واسعة من الفرح وراحة البال!ويضيف "جبران خليل جبران" :لن تنضج إلا بعد أن تشعر أن لديك الكثير من الكلام ، ولكنك لست بحاجة إلى أن تخبر به أحد .
فعندما تصل إلى هذه المرحلة تجد نفسك تعزف عن توافه كانت تؤرقك ،وتصيبك بالضيق والعصبية بل والحزن، تستغرق فيها تفكيرا وجدالا أوقات طويلة لكن هنا لن تجد نفسك مضطرا لأي نقاش أو جدال، ولو فرضنا أنك خضت في جدال؛ فلن تحاول أن تثبت لمن يجادلك بأنه مخطئ؛ لأنك لن تستطيع إصلاح الكون أو تهذيب أحد ، فالجاهل سيظل على حاله مهما كان مثقفا، والغبي سيظل غبيا مهما فتحت أمامه كل سبل المعرفة ..حتى لو تجولت بنظرك بينهم تبحث عن وسيلة لإقناعهم فلن توفق في ذلك، لأنهم مكبلين في أفكارهم ومعتقداتهم، ستسير مفاخرا بذاتك التي سمت وارتقت كأنك ملكا مبتسما متعجبا، وأنت ترى الناس من حولك يتلونون، يتسارعون، ويخدعون بعضهم من أجل أشياء لا لزوم ولا قيمة لها .
إذا وصلت إلى هذه المرحلة لا تحاول أن تغير من نفسك ، فأنت بذلك قد أصبحت ملكا على نفسك واعيا جدا ومطمئنا من داخلك ، سوف تتعفف عن أفكار كانت تشغل عقلك كارتداء الأشياء الثمينة الفارهة، لن يفرق معك أين تعيش -فخامة المكان ومساحته - لأنك ترفعت عن الماديات، والأمور التافهة التي كانت تشغلك من قبل سوف تغسل أفكارك حرفيا، لتجد نفسك في عالم مغاير ولسان حالك يقول فليذهب هؤلاء بأفكارهم إلى الجحيم .ويعضد ذلك دكتور إبراهيم الفقي قائلا "لا تحثوا أولادكم أن يكونو أغنياء بل علموهم كيف يكونون أنقياء ، وعندما يكبرون سينظرون إلى قيمة الأشياء لا إلى ثمنها".
أيضا في المرحلة الملكية ومثلما يرى "السيد بهاء الموسوي": سوف يصل الإنسان إلى مرحلة جميلة جليلة رفيعة عميقة من بناء الذات بالذات وهي الوجه الآخر للهيمنة القلبية لأن الله عز وجل يريد أن نملك قلوبنا لا هى التي تملكنا، وعن طريقها تصل إلى الحقيقة التربوية.
حقا خلال هذه المرحلة ستدرك أن فرح اليوم لا يدوم، وقد يكون مقدمة لحزن الغد والعكس.
سيزداد إيمانك بالقضاء والقدر ، وستزداد يقينا بأن الخيرة فيما اختاره الله سبحانه.
وأخيراً.. لماذا تنتظر مرحلة عمرية معينة حتى تنعم بـالمرحلة الملكية، خذ بها من الآن وتعلم من دروس الحياة ، والتقط الحكمة وحاكي العظماء وتعلم من التجارب واستفد من القوانين وسماتها واختصر ما استطعت من الوقت ولا تدع العمر يمر مرار الكرام وأنعم بالمرحلة الملكية وانت في ظل الشباب وربيع العمر لتعيش الحياة التي تليق بك ....