الخميس 7 أغسطس 2025 09:47 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. نهال أحمد يوسف تكتب : *حين يتبدل الصوت*

د.نهال أحمد يوسف
د.نهال أحمد يوسف

لم يعد الإعلامي عمرو أديب مجرد صوتٍ اعتيادي في المشهد الإعلامي المصري، وإنما غدا في الآونة الأخيرة ظاهرةً تستوجب التوقف والتأمل العميق في مساره وتوجهاته، مثيرًا جدلاً واسعًا وتساؤلاتٍ ملحة حول بوصلته المهنية والوطنية. فبعد أن ألِف الجمهور منه تناول القضايا المصرية بحسٍ منتمٍ، ودافع عن مصالح البلاد بضراوة، أضحت تصريحاته الأخيرة تثير موجةً عارمة من التساؤلات، وتضع علامات استفهام كبرى حول دوافعه الحقيقية، حتى ليبدو وكأنها تتناغم بشكل لافت مع مصالح محددة، لا سيما تلك المرتبطة بشخصية "تركي آل الشيخ". هذا التحول الجذري في الخطاب يطرح تساؤلات جوهرية حول استقلالية الإعلام ودوره في تشكيل الوعي العام.
إن آخر فصول هذه التصريحات المثيرة للشبهات تجلت في رده على إعلان تركي آل الشيخ بخصوص موسم الرياض القادم، والذي نشره على منصة "إكس" بتاريخ 4 أغسطس 2025، وجاء فيه بوضوح: "إن شاء الله في موسم الرياض القادم اعتماد كامل تقريبًا على العازفين والموسيقيين السعوديين والخليجيين في الحفلات الغنائية، ومع اعتماد شبه كامل على المسرحيات السعودية والخليجية، مع بعض التطعيم بمسرحيات سورية وعالمية." هذا الإعلان، الذي فُسر على نطاق واسع بأنه إقصاء شبه تام للفنانين المصريين من فاعلية ثقافية لطالما كانت لهم فيها صولات وجولات، وقوبل بتصريحات من أديب تبرر هذا القرار، بل وتُقلل من حجم الثقل الفني المصري في موسم الرياض، مدعيًا أن الموسم "لم يمت" وأن الاعتماد على المصريين "لم يتجاوز 10% من فعالياته".
هنا يكمن جوهر الإشكالية، وهنا تتجلى الغرابة والاستفزاز الذي لا يمكن تجاهله. ففي حين أن قرار تركي آل الشيخ بالاعتماد على المواهب المحلية والخليجية هو حق مشروع له يوصفه منظماً لفعالية وطنية، ولا يعيب الفن المصري أو ينتقص من قيمته بأي شكل من الأشكال، خاصة بعد أن اعتمد الموسم الماضي بشكل كبير على كل ما هو مصري، فإن الغريب والمستفز هو ما يبرره الأستاذ عمرو أديب. فما الذي يسعى إليه الأستاذ عمرو من وراء هذه التصريحات؟ هل انحرفت بوصلته الإعلامية نحو مصالح شخصية أو أجندات خارجية، متجاهلاً كرامة الفن المصري والفنان المصري الذي طالما كان سفيرًا للثقافة المصرية في كل المحافل؟ كيف يمكن لإعلامي بمكانته وتاريخه، الذي يُفترض فيه أن يكون صوتًا لبلده، أن يدلي بمثل هذه التصريحات التي لا تستفز الوجدان الوطني فحسب، وإنما تهضم حقوق وقيمة قامات فنية مصرية لطالما أثرت وأثرّت في الوجدان العربي والعالمي، وكانت مصدر فخر واعتزاز لأجيال متعاقبة؟
لقد عُرف أديب في سالف الأيام بجرأته في طرح القضايا الشائكة، وبكونه مدافعًا عن الفئات المهمشة، وصوتًا نقديًا للسلطة في بعض الأحيان، مما أكسبه قاعدة جماهيرية واسعة وثقة قطاع كبير من المشاهدين. لكن هذا الدور يبدو قد تبدل جذريًا وبشكل صادم، ليصبح صوته نشازًا وغامضًا، وتصريحاته مستفزة على كافة المستويات. فالتصريح بأن موسم الرياض لا يعتمد إلا على 10% فقط من الفنانين المصريين، إن كان دقيقًا، فهو بحد ذاته إدانة صريحة وواضحة، وليس تبريرًا مقبولًا بأي حال من الأحوال. فمصر، التي هي منارة الفن والثقافة في المنطقة، والتي قدمت للعالم العربي روادًا وفنانين شكلوا وجدانه، لا يمكن أن يُبخس فنانيها حقهم أو يُقلل من شأنهم بهذه الطريقة المهينة والمجحفة.
إن الأسلوب الذي يتبعه أديب في الآونة الأخيرة يفتقر إلى الموضوعية والحيادية التي طالما ادعاها كركيزة لعمله الإعلامي. فبات يعتمد على تبرير مواقف معينة، حتى لو تعارضت بشكل صارخ مع المنطق السليم والمصلحة العامة. هذا التحول يثير قلقًا بالغًا حول استقلالية الإعلام ودوره الحقيقي الآن، ويدفع الجمهور للتساؤل عن الثمن الذي يُدفع مقابل هذه التصريحات المشكوك فيها. فهل أصبح الإعلام مجرد أداة لتمرير رسائل محددة، تخدم أجندات معينة، بغض النظر عن مدى تأثيرها السلبي على الوعي الجمعي وتشكيل الرأي العام؟
فما تفوه به عمرو أديب بخصوص موسم الرياض والفنانين المصريين ليس مجرد هفوة عابرة أو زلة لسان يمكن التغاضي عنها، لكنه مؤشر خطير على تآكل الدور الإعلامي المحسوب على أنه مصري، الذي يجب أن يكون حارسًا للقيم والمصالح العليا، وانحداره ليصبح بوقًا لمصالح لا تخدم سوى أصحابها. على أستاذ عمرو أديب أن يعيد النظر مليًا في مساره، وأن يستعيد بوصلته المهنية والأخلاقية، فالمصداقية هي الركيزة الأساسية لعمل الإعلامي، ورأس ماله الحقيقي الذي لا يُقدر بثمن، وحينما تُفقد، يصبح الصوت مجرد صدىً أجوف لا يحمل أي قيمة أو تأثير، مهما علا.

د. نهال أحمد يوسف *حين يتبدل الصوت* الجارديان المصرية