خالد درة يكتب : بالعقل أقول ...( فن الرد عند الإساءة )


ونحن على أعتاب شهر الكرم والخير والعبادة والتقرب إلى الله أكثر وأكثر فى عمل الخير والبعد عن كل شر وكل إثم شهر رمضان المبارك فى أعماله وفى رزقه وفى خيراته ، علينا أن نتذكر أن الصائم إن أحسن صومه وصل فى درجاته إلى درجة ومرتبة الملائكة فى طهرها وطاعتها وعفتها وشفافيتها ، فإذا سبك أحدُ أو أساء إليك فيكفى أن تترك له المكان وتقول له إنى صائم ولا ترد عليه ، لأنك فى وضع الصيام أنت تعلوا على منزلة البشر وتصل لتكون فى صفاف وصفات الملائكة ، وهناك أسلوب ومنهج نبوي للرد عمن أساء إلى النبي أو أساء إليك... هذا الأسلوب وهذا المنهج يغنيك عن كل النصائح أو الدورات فى فن الرد المستنسخة من ديانات غير ديننا و مجتمعات غير مجتمعاتنا ...
هذا الأسلوب وهذا المنهج هو أن الملائكة يرُدُّون بدلاً منك وينوبون عنك فى هذا الأمر وقت الإساءة إليك ، وعلى الرغم من تأكيد القرآن على حقيقة أن إهانات قريش للنبي صلى الله عليه وسلم قد عصرت قلبه ألماً وضاق صدره حزناً ، إلّا أنه لم ينزلق ليبادلهم بمثل ما أهانوه به أبداً . وعلى العكس من ذلك ، فقد إتخذ النبي الطريق الأسمى بعدم الرد على الإطلاق ، راجياً أن يخترق ذلك في يومٍ من الأيام أغشية قلوبهم القاسية ، مصداقاً لأمر الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت ].
وفى موقف شهير حدث مع أبى بكر وأحد الأشخاص عندما فاض بأبي بكرٍ الكيل من فرط سوء الأخلاق وسوء التربية من شخص قام بسبّه ، إلّا أنه قام ورد على هذا الشخص سبّته فى وجود رسول الله ، فغضب النبيُّ وقام من جلوسه رافضاً الموقف . ثم بعد ذلك قال موضحاً : "أنَّ الْمَلَكَ كَانَ يَرُدُّ عَنْكَ ، فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ ذَهَبَ الْمَلَكُ ، وَوَقَعَ الشَّيْطَانُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْلِسَ فى مكان فيه شيطان "
ماذا تعلمنا هنا ،
علمنا هنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما ننزل إلى مستوى شخص أهاننا ، فإننا نسمح للشيطان أن يقود دفَّتنا . وأن إحدى مبادئ التزكية الإسلامية هى ألا نسمح للشيطان بتخطف مشاعرنا وتصرفاتنا للنقطة التي تكون فيها قراراتنا موجهةٌ على غير مراد الوحى .
وفي مواجهة ذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً متنوعةً مثل :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان ،
2- تغيير وضعية البدن ليكون أقل حدة ،
3- أو أن نتوضأ...إلخ.
فنستعين بذلك على إبقاء رباطة جأشنا عند الغضب . فنحن نميل أثناء الغضب إلى الرد بشكلٍ متكبرٍ ، شيطانيٍّ لا لشئٍ إلا إرضاءاً لغرورنا وإنتصاراً لأنفسنا. وليس كل غضبٍ مذمومٍ وغير محمود ، فالغضب الذي له محلٌ مشروعٌ أمرٌ لا مَرد له ، ولكن يُكتَم إذا كان المرء منا قد أُغلق عليه .
ولهذا إنتصر النبي صلى الله عليه وسلم على أي محاولةٍ من أعدائه لإستفزاز مكامن الكذب والبذاءة أو أي أمرٍ لا يليق بشخصه النبيل...
صلوا عليه وسلموا تسليما ..