الثلاثاء 16 أبريل 2024 04:00 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور حمدى الجابرى يكتب : أحمس ومشاكل مسلسله الغريبة

الدكتور حمدى الجابرى
الدكتور حمدى الجابرى

فى كتابه (فن الشعر) تحدث المعلم الأول أرسطو عن خطيئة التكبر (هيوبريس) واثرها فى المسرح عند اليونانى القديم والتى لابد أن يعقبها دمار مرتكبها وهو فى المسرح لابد أن يكون من أصحاب المكانة الكبيرة الذى يهوى الى أسفل سافلين فيؤثر سقوطه الكبير فى المشاهد الذى يتابع مراحل سقوطه التى يعرف مسبقا نتيجتها .. دمار البطل أو الملك أو أيا كان ذلك .. المتجبر .. ويحمد المتفرج الله على أنه ليس فى نفس موقفه ، وبذلك يتحقق (الكاثاراسيس ) أى التطهير ..
ومع الفارق طبعا ، أظن أن السيد تامر مرسى وقد أصبح المتحكم الأول فى مصر فى الدراما التليفزيونية يمكن أن يرتكب خطيئة التكبر مع مسلسل (أحمس) بدليل مسارعة الشركة المنتجة الى الإعلان عن تشكيل لجنة متخصصة لتقييم المسلسل والحكم عليه حتى ولو أدى ذلك الى تأجيل عرضه فى رمضان المقبل ..
و.. هنا ربما تكون بداية الخطأ القديم المتجدد إذا ما صح مايشاع عن تعالى الشركة المنتجة فوق كل لجان القراءة والتقييم القديمة فى التليفزيون المصرى وحتى فى القطاع الخاص الذى لم يعد يملك من أمر نفسه شيئا فى ظل هيمنة الشركة على كل مايتعلق بالدراما التليفزيونية تقريبا .. نفس ذلك التعالى والهيمنة الذى ظهرت نتيجته أيضا فى طريقة التعامل مع نقابة المهن التمثيلية ومن ينتمى اليها من الممثلين والمخرجين المتخصصين الدارسين وبالذات عند تقديم وجوه جديدة شابة ، سواء تحت ستار تقديم وجوه جديدة أوفر إنتاجيا لأنها (رخيصة) أو لكسر شوكة النجوم الذين يتحكمون فى العمل عادة وهو مالم يكن تامر مرسى والشركة أساسا فى حاجة اليه بعد إنهيار قطاع الإنتاج الحكومة واستسلام الشركات الخاصة والأهم بعد أن أصبح فى يدى الشركة الجديدة كل مقاليد الإنتاج الدرامى التليفزيونى !
ولنفس الأسباب لايمكن إعفاء تامر مرسى والشركة من المسؤولية عن مشكلة مسلسل (أحمس) ذات الجوانب المتعددة التى أفاض فيها كثير من الناس على مواقع التواصل الإجتماعى سواء مايتعلق منها بالملابس واللحية والديكور والاكسسوارات أو لون بشرة وعيون البطل وغيرها من الأمور التى أعتقد أنه كان من الواجب مراجعتها بدقة بمعرفة متخصص نزيه كالدكتور (يونان) قديما أو زاهى حواس أو الكحلاوى وغيرهم من الأثريين المشهود لهم .. هذا من الناحية التاريخية التى تشمل كل مايتعلق بالموضوع .. التاريخى ومدى ملاءمة الإضافات الإبداعية لخدمة هدفه ..غير التسلية وآهو مسلسل ويعدى !
أما النص نفسه فهو مالايملك أحد الحق فى الحكم عليه غير لجان القراءة كالتى كان لها وجود محترم فى الإنتاج الدرامى (الحكومى والخاص) منذ أن عرفنا التليفزيون فى مصر .. وهو نفس الإنتاج الذى كان له لجنة عليا كبيرة أيام صفوت الشريف تضم كثير من كبار المبدعين والمنتجين والمؤلفين والأساتذة والنقاد ورؤساء مجالس إدارة الشركات الحكومية .. تلك اللجنة العليا طالتها متغيرات الزمن فلم نعد نسمع عنها والتى تكفى محاضر اجتماعاتها ليس لتعليم تامر وشركته لا سمح الله ولكن تكفى على الأقل تجنبيهما الوقوع فى أخطاء كبيرة والأكثر أنها ربما تساعدهما فى إكتشاف فلسفة وهدف وسياسة عامة للإنتاج الدرامى التليفزيونى ككل أظن أنهما ومصر كلها معهما تحتاجه كثيرا وبصورة ملحة خصوصا بعد ما أسفرت عنه مشاكل مسلسل (أحمس) الذى كان سيساعد صناعه الإطلاع على كتاب الراحل العزيز الدكتور أحمد قدرى عن (العسكرية المصرية) عند الفراعنة .. وهو رسالة دكتوراه حضرت مناقشتها وتابعت بعض مراحل تنفيذ طموحات صاحبها فى هيئة الآثار المصرية بعد عودتنا من البعثة مثلما حدث فى قلعة صلاح الدين والمتحف الحربى ومتحف المركبات الملكية وغيرها .. وبالمناسبة ومنعا لأى مزايدة .. الصديق المرحوم الدكتور أحمد قدرى كان من ضباط الصف الثانى فى ثورة يوليو ورسالته هذه جزء لا يتجزأ من دراساته وخبراته وإيمانه .. بالعسكرية المصرية .. منذ أيام الفراعنة ..
من ناحية أخرى ، كنت على استعداد للدفاع عن حق المؤلف فى تناول موضوعه بالطريقة التى يراها مناسبة والأكثر ربما رفع شعار الكسندر ديماس الشهير عن التزامه بالحقائق التاريخية أو بالأحرى عدمه والذى يلخصه قوله (ما التاريخ إلا مشجب أعلق عليه لوحاتى ) لولا تحفظى على مايمكن أن ينتج عن البعد عن هذا التاريخ فى مسلسل تليفزيونى تنتجه وبالذات مصر وهذه الشركة الكبيرة باسمها ومايثار عن خلفياتها ونفوذها وتوجهاتها .. وهنا لابد من العودة الى التاريخ القريب والخطر الداهم الذى يمكن أن ينتج عن نفس المسلسل وبالذات عن شكل وملامح ولون بطله .. وعيونه ولحيته .. وكذلك لابد أن نتذكر .. السينما العالمية والفراعنة ومعها حكم الهكسوس لمصر وطرد أحمس لهم .. والأهم اليوم .. اسرائيل ومناحم بيجين والسادات وكارتر .. ربما تنفع الذكرى ..
بعد توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل 1979 ، بيجن مستظرفا أو هكذا ظنه السادات فضحك ومعه كارتر .. قال (الرئيس كارتر قام بمجهود أكبر من المجهود الذي قام به أجدادنا في بناء الأهرامات) ، ولكن الظن لم يكن فى محله فالمقصود من الإستظراف أكبر مما ظن كارتر أو السادات لأن نفس بيجن بعدها عندما زار مصر قال فض فوه أنه سعيد لزيارة مصر لأنه سوف يشاهد الأهرام التي (بناها أجداده اليهود) وبالفعل زار الأهرام وعاد لتأكيد سمومه بقوله (يا عظمة أجدادي)، وكالعادة عقدت الألسنة دهشة الجرأة إن لم تكن الوقاحة ! وبالطبع كان من الواجب عدم السكوت على إدعاءاته أو استظرافه السخيف ولكننا لم نفعل على مايبدو .. كرما أو استخفافا أو إستعباطا سرعان مايزول أثره مع التكرار فى السياسة و.. السينما الأمريكية التى لم تقصر فى نفس الوقاحة .. فنيا هذه المرة .. فتوالت أفلام تتبنى نفس الإدعاء ببنائهم الأهرامات بالسخرة منها (الخروج) و (الوصايا العشر) وفيلم آخر لسبيلبيرج .. وهنا ربما يكون المسلسل المصرى (أحمس) يحمل ردا ما على هذه الإدعاءات الكاذبة ليدحضها ويفندها أو هكذا كنت أتمنى الى أن قرأت بوستا قديما مسفا لأحد صناع المسلسل يتناول موقف مصر من القضية الفلسطينية وللأسف يحمل إساءة بالغة لمصر وأتمنى ألا يكون المسلسل الجديد على هذا المنوال بأى شكل من الأشكال .. وهو ما أظن أن اللجنة المشكلة مؤخرا ستأخذه فى الإعتبار عند مراجعتها للنص وتجسيده !
تبقى الإشارة الى إحتمال إستفادة اسرائيل كالعادة ولو مستقبلا من شكل وملامح بطل المسلسل المصرى ولون بشرته وعيونه لتأكيد الإدعاء الوقح عن مشاركة اليهود فى بناء الأهرامات ولو عن طريق إدعاء السخرة أو حتى ذقن أحمس نفسه أو ربما حتى نسبه أو غيرها من الإدعاءات الوقحة فلا شيىء مستبعد منهم .. حضرتك!! طبعا إذا أخذنا فى الاعتبار الخبرات المتراكمة فى تعامل اسرائيل مع مصر والدول العربية مثل الإنسحاب الاسرائيلى من أرض أو الأرض الشهير الذى أصبح منسيا بمرور الأيام والسنين والأحداث ..
و .. أظن أنه من العدل أن يتقاضى الناس حقوقهم كاملة حتى ولو تحملتها الجهة المنتجة التى صدرت اليها أوامر من جهة ما لتصحيح الأمر كما أنه ليس من المناسب أو العادل أو المنطقى نسبة الخطأ أو الأخطاء لشخص واحد فقط فالجميع شارك فى العمل .. الجماعى .. والذى يجب أن يظل كذلك تخطيطا وتقييما وإنتاجا .. واحترافا .. وإلا سيعم أثر خطيئة التكبر على الجميع ..