السبت 20 أبريل 2024 05:35 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي الكبير محمد هجرس يكتب : سياحة «أونطة»..؟!

الكاتب الصحفي الكبير محمد هجرس
الكاتب الصحفي الكبير محمد هجرس

في الوقت الذي "نتسوّل" فيه لتشجيع السياحة، وتبذل الدولة جهوداً غير عادية في احتواء آثار سنوات كارثية مضت، سببت أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ بلادنا الحديث. وفي غمرة كل « الكلام» عن إمكانياتنا السياحية وآثارنا التي تتجاوز ثلث آثار العالم، نجد أنفسنا عاجزين عن الوصول لعُشر أرقام عدد السياح في دول لا تملك شيئاً.. ودون أن نسأل أنفسنا بصراحة أو بـ«وقاحة»: لماذا؟ وكيف أننا ـ للأسف ـ غير مؤهلين لإدارة آثارنا بما يليق بها؟ وبالمقابل: هل نحن في حاجة لتشريعات سيئة السمعة مثل تلك التي راجت قبل أيام حول ضرورة دفع 100 جنيه للمصري أو الأجنبي عند مغادرته البلاد!

قد أتفهم ـ رغم رفضي وعدم اقتناعي ـ أن يُطلب دفع هذا الرسم عند الدخول.. لكن لماذا اختار وزير المالية العبقري توقيت المغادرة بالذات، ليكون بالتالي لغزاً يضاف إلى سلسلة قرارات «عبقرية» لا تنتهي، منها أيضاً فرض ضريبة 20٪؜ على أدوات الغوص ورحلات السفاري «اللي حيلتنا» حاليا في مرسى علم أو دهب! فماذا نريد أن نقول للسائح بالضبط، بعدما "طفشنا" المستثمرين بعد فرض 24 ضريبة مختلفة عليهم؟! بدلاً من أن تكون مهمة الوزير هي جذب الاستثمار المحلي والأجنبي لا «الإتاوة»، وأن تقتصر مهمة البرلمان على الوقوف ضد هكذا قرارات وعدم تمريرها؛ لا الموافقة عليها فقط!

ومع ذلك؛ رغم كل محاولات الترويج «إياها» يبقى حالنا مثل «اللي رقصت ع السلم» أو مثل الأخت التي فضحتنا برسومات الرسام الروسي.. نوزع فيديوهات ومنشورات عن سياحتنا، فيما تسيطر «صياعتنا» على المشهد، فيمارس أغلبنا ذات السلوكيات "المقرفة" والتي تصل حد الاستغلال و«الاستعباط» التي تطفش أي سائح، ما يجعل الوضع كارثياً.. إذ لا تزال تسود ذات نظرة البعض لـ«السائح» باعتباره جيبا منتفخاً بـ«الفلوس» دون تقديم خدمة فعلية أو حتى معاملة «ذوقية».. لنكون بالتالي في مؤخرة الدول السياحية.

زرت كثيراً من بلاد العالم حتى في دول تنتمي للعالم الثالث.. ولم أجد شيئاً مما أراه هنا، لا فهلوة سائق تاكسي، ولا ابتسامة مصطنعة لعامل يريد أن ينتزع منك «بقشيش» بالعافية، ولا سماجة وإلحاح «شحاتين» يحاصرونك لتدفع لهم، وإن لم تدفع فإن الشتائم تنهال عليك.. هذا عدا «هوجة» الأسعار التي بلا حسيب أو رقيب!

تايلاند مثلا.. دولة عدد سكانها تقريباً 66 مليونا، ومع ذلك فإن عدد سائحيها يقترب من 77 مليوناً سنوياً، وهي لا تملك سوى طبيعة خلابة.. تركيا نفس الأمر، حتى أندونيسيا وسنغافورة.. ركبت مرة أحد التاكسيات في بانكوك وكان حسابه 81 بات، ولما أعطيت السائق 90 بات، رفض بأدب، وقال إنه لا يأخذ سوى ما يقرره العداد فقط، فتذكرت أي سائق تاكسي بمصر، وهو لا يعترف أصلا بالعداد، وإذا لم تدفع له ما يريد، فإن فضيحتك ستكون أسوأ من فضيحة «البلبول في شهر أيلول»!.. وهكذا.

شكاوى السائحين عندنا ـ خاصة الأشقاء العرب ـ لا تنتهي، بدءاً من الأسعار وليس انتهاء بحركات «النصب» التي يرى البعض فيها حقاً مكتسباً و«فهلوة» ترسخ لثقافة « إحنا اللي عبينا الشمس في أزايز، ودهنّا الهوا دوكو» بحثاً عن سلب ما في جيب السائح، لننتهي إلى هذه «الخيبة التقيلة» في قطاع السياحة، ومعها سلبية أجهزة الدولة الرقابية في ردع هذه السلوكيات التي أرى أنها العدو الأول لمجمل دولة وسمعتها أو ما يليق بكنوزها التاريخية.

***

حكى لي صديقي ـ وهو فنان كاريكاتير عربي شهير ـ كيف أن أحداً في ميدان التحرير، باع له علبة سجائر بـ«120جنيه» رغم أن ثمن المستورد منها بعد الضريبة الجديدة لا يقارب الثلث، وقبلها تساءل صديق سعودي، وهو يتألم: كيف تدعون لتشجيع السياحة، وتقدمون أسوأ خدمة، وكل العاملين بفندق (..........) لا يعرفون كيف يرضون الزبون على الأقل، قبل أن يطلبوا «البقشيش».

صديق ألماني من أصل عربي، التقيته بالإسكندرية ذات يوم، وأراد أن يذهب لقلعة قايتباي الشهيرة، وكانت معه زميلة إعلامية ألمانية أيضاً، ففوجئنا بأن عليهم أن يدفعوا بالدولار.. بينما أنا أدفع بالجنيه..؟ فاستغرب هذه التفرقة قبل المبالغة في السعر.

ذات مرّة، وأنا أسير في أحد شوارع وسط البلد، انحنيت على الرصيف لأشتري مناديل ورقية صغيرة، باعها لي البائع ـ وقتها ـ بـ50 قرشاً، وبينما أنا لا أزال واقفا، طلب شقيق عربي ذات العلبة من البائع، فقال له إن سعرها 10 جنيهات، لأضرب كفّاً بكفٍّ على الاستغلال «عيني عينك».. لم أتمالك نفسي لألوم البائع، الذي ضحك وقال لي: "جرى إيه يا بيه.. هو انت ح تقطّع علينا والا إيه؟".. فانصرفت خوفاً من أن يلم عليّ «الشلة بتاعته» وآكل علقة «ما أكلهاش حمار في مطلع»..!

قد يقول السيد وزير السياحة ـ كالعادة ـ إن هذا تصرف فردي؟ وقد تقول شرطة السياحة، إن أحداً لم يتقدم لها ببلاغ أو شكوى.. ولكن الرد بسيط.. وماذا سيحدث من إجراء رسمي ليس لحماية السائح من هذا "النهب العلني"، ولكن لتصحيح صورة بلد وناس لا يهمهم سوى جيوبهم ولتذهب مصر بسياحتها وآثارها للجحيم؟ واسألوا منطقة الهرم وما يحدث فيها!

النتيجة للأسف صفر، لأن السيد أمين الشرطة، الذي سيحرر المحضر، لا يهمه «وجه الله» ولا صورة البلد، بقدر ما يهمه «الإكرامية».! والنتيجة أيضاً، أن السيد الوزير وكل أجهزته الرقابية وعلاقاته العامة، سينفون ويلقون علينا بيانات وشعارات تصرّ على أن المواطن دائماً على خطأ.. فما بالنا بسائح أجنبي وغريب..!

للأسف، سنظل متخلفين طالما استمرت هذه السلوكيات، وسنظل نبكي على أطلالنا الأثرية، طالما الحكومة والأجهزة الرقابية عاجزة عن السيطرة على فنادق ومؤسسات تبيع الوهم، وسائقي حنطور وتاكسي وأصحاب جِمال، يمارسون النصب العلني في غياب عن أي عقوبة أو ردع.

أيها السادة.. مصر في مرحلة جديدة، لا نحتاج فيها "فهلوة"، ولا تحتاج «هوا في أزايز»، كفاية بأة نصب واستعباط واستغفال، إذا أردنا أن ننهض، وإلا سنظل كالبلهاء نتساءل عن سبب عدم تقدمنا سياحياً، فنكون ـ كالعادة ـ زي واحد أعرج، يجري وراء رجل أعمى بينادي على واحد ما بيسمعش!!