الإثنين 4 ديسمبر 2023 03:11 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

السيناريست عماد النشار يكتب : إيه اللي بيحصل ده؟!

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

الرفاق حائرون يفكرون يتسائلون بجنون ، إيه اللي بيحصل ده ؟، بعدما اختلت كل الموازين التي اعتادنا عليها قرابة أكثر من نصف قرن ، عندما كانت تمر الحياة ببطئ وعلى وتيرة واحدة ، أو كما كنا نظن ذلك من فرط البركة وظلال البساطة وارفة الرضا التي كنا نعيش في كنفهم ، قبل طوفان التقدم والتكنولوجيا الهادر والمجنون الذي لم نعمل حسابه، ولم نستعد له بأدنى سبل الوقاية والمواجهة ، حتى أجبرنا جميعًا على الغرق إلا من رحم ربي ، حروب وحوادث كوارث طبيعية وأوبئة ، غلاء وأخلاق لم تقربها أحط الحيوانات سلوكًا، كنا نسمع عن كل هذه البلايا والآثام من خلال المتاح لنا من وسائل الإعلام المختلفة ، من ومضات مرئية خاطفة ، وأخبار مسموعة عابرة ، وكلمات مكتوبة وسط سيل من المقالات والحوارات ، المعتبر منّا يحتاط ، والعامة يرونها مجرد كلام جرايد، أما الآن وبعدما ألقينا بأنفسنا بين أمواج طوفان السوشيال ميديا المتلاطمة بمحض إرادتنا دون طوق واحد للنجاة، أصبحنا نعيش كل مآسي العالم ونكابتنا لحظة بلحظة ، وجزء أصيل لايتجزأ عنهم ، ورغم ذلك مازلنا نتعامل بنظرية جحا الذي ظن أنه مازال في مأمن طالما الحريق عند جيرانه ولم يمس بيته ، مع أن كل بيت الآن لايخلو من حريق متشابه أو مختلف عن جاره الجميع يكتوي بنيرانه، وبدل أن نتكاتف لإطفاء أول الحرائق ، اكتفينا بالمشاهدة والتصوير ونصّبنا أنفسنا آلهة وسدنة نحلل ونمحص ونحمل مفاتيح الجنة والنار، وبعدما طالتنا النار ارتدينا عباءة الدروشة، وهللنا بان الأرض تُمَهد لشئ ، وفي الحقيقة الأرض لا تُمَهد لشئ الآن من أجل أعيوننا ، لأنها وبكل بساطة في حالة تمهيد مستمر منذ بدء الخليقة وبقول الله عز وجل في محكم تنزيله{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}،وهذا مايؤكد عليه علماء التاريخ بمقولة أن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الزمان والمكان والأشخاص، بينما تتشابه الأحداث والحوادث حد التطابق ، ومهما عمّرت أجيال وأمم وعَلت وهيمنت، فما هي إلا ومضة في عمر الكون ، ولو عدنا لقراءة التاريخ قبل قرن من الآن سنجد العالم الذي نحن جزء منه ، مر بأحداث وحوادث شبيهه بأيامنا هذه ، مع اختلاف طفيف في بعض التفاصيل ، وإن كان البارز منها التطور الرهيب في السلاح والاتصالات ، والذي يقابله التدهور الرهيب في القيم والأخلاق ، والمسئول الوحيد عن التطور والتدهور القوة اللي اهتمت بالعمل والعلم على حساب الكلام والرغي ، وبعدما كنا خير أمة أخرجت للناس ، ونحمل الرقم الكبير في المعادلة العالمية ،ويحسب لنا ألف حساب تخلينا عن الأفضلية وتنازلنا عن الرقم الكبير، وهرولنا لنلحق بركب تبعية الشرق والغرب ، وتنافسنا على استيراد أفكارهم وسلوكياتهم قبل سلعهم وبضائعهم، لذلك بدل أن نتسائل إيه اللي بيحصل ده ، علينا أن نقول ماأشبه اليوم بالبارحة ونعتبر ونستعد للغد .