السبت 27 يوليو 2024 05:02 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

بسام عبد السميع يكتب : هل الأمة مؤهلة لـ ”نصر الله”؟

الكاتب الصحفي الكبير بسام عبدالسميع
الكاتب الصحفي الكبير بسام عبدالسميع

بادرني هذ التساؤل وأنا وأنتم نحترق عجزاً لما نراه في "غزة"، فهل حررنا أنفسنا لنحرر الأقصى؟
إننا ندعو الله أن يحرر الأقصى، ونشكو إلى الله حال أهل غزة، فعلينا أولاً أن نحرر أنفسنا من موبقاتها لنكون أهلاً لاسترداد الأقصى ونعود بصدق إلى ربنا – ومن صدق فله الفوز ومن كذب فله الخزي دنيا وآخرة- وكل منا يختار ما يشاء.
نسأل الله ذي القوة المتين أن يأتينا بالنصر المبين، وأن يطهر القدس من أعدائها وينصر عباده الصالحين المرابطين حولها والمدافعين عنها، نصر الله من نصرهم وخذل من خذلهم، والسؤال الذي علينا أن نواجه به أنفسنا- حكومات وشعوب - هل نحن أهلاً لنصر الله؟
دفعتني حالة العجز التي نعيشها إلى استدعاء موقف الصحابي عبد الله بن سهيل بن عمرو حينما أسلم وهاجر إلى الحبشة- الهجرة الثانية- وكان يقول لأبيه حينما حاول منعه من الهجرة متعللا بأنه يمنعه من البلاء، فيرد عليه عبد الله: "البلاء يا أبتِ أنْ أرى أصحابي يعذبون ولا أملك لهم شيئاً".. إننا حقاً في بلاء شديد فأهلنا يذبحون ويحرقون في غزة وفلسطين ونحن عاجزون عجزاً فاق صمت الأحجار.
وتوقفت أمام مواقف قادة الدول الإسلامية والعربية في التعامل مع محرقة غزة محاولاً استيعاب أقوالهم التي درات حول:" نعمل على وقف التصعيد. ندعو لوقف إطلاق النار.. إدخال المساعدات الإنسانية ضرورة.. وغيرها من الأقوال -المحزنة والمؤلمة- لكنها كاشفة للحقيقة التي علينا التعامل معها فحكامنا صورة وجزء منا.
وبحثت عن صحة واقعة أن أحد المسلمين سأل الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضى الله عنه قائلاً: لماذا حدثت الفتن على عهدك يا أمير المؤمنين ولم تحدث على عهد أبي بكر وعمر؟ فرد أمير المؤمنين: لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا واليين على أمثالي وأنا وال على أمثالكم.
وعثرت على مصدر هذه المقولة في كتاب "سراج الملوك " لصاحبه العالم الفقيه أبوبكر الطرطوشي الذي ألفه بالإسكندرية عام 516 هجرية، حيث أورد تحت عنوان "كما تكونوا يولى عليكم" صفحة 116: قال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ما بال أبي بكر وعمر انطاع الناس لهما، والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما، وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟ فقال: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك!.
إننا جميعاً مع كل أزمة وكارثة تنطلق عباراتنا مدوية: أين صلاح الدين؟ وأين قطز؟ وأين الفاروق عمر رضى الله عنه؟، مؤكدين أن ملوك اليوم ليسوا كمن مضى من الملوك، ونغض الطرف عن أن الرعية (الشعوب (أيضا، ليست كمن مضى من الرعية.. إنها الحقيقة التي لابد أن نقف أمامها لنعمل على تغييرها ويبدأ كل منا بنفسه.
ونستمر مع "سراج الملوك" إذ يقول: لم أزل اسمع الناس يقولون أعمالكم كما تكونوا يولى عليكم إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن الكريم قال الله تعالى:" وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا". وقال عبد الملك بن مروان: أنصفونا يا معشر الرعية تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ولا تسيروا فينا ولا في أنفسكم بسيرتهما نسأل الله أن يعين كلا على كل.
ويستكمل الطرطوشي في هذا الباب: أن قتادة قال: قالت بنو إسرائيل: إلهنا أنت في السماء ونحن في الأرض فكيف نعرف رضاك من سخطك، فأوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه إذا استعملت عليكم خياركم فقد رضيت عنكم وإذا استعملت عليكم شراركم فقد سخطت عليكم.
وأجدني أطالع المثل الصيني القائل: من يريد أن ينقل الجبل يبدأ دائما بنقل الأحجار الصغيرة، فهل نقلنا الأحجار التي بداخلنا، أما جلسنا نحاكم غيرنا ونترك أنفسنا، لأعود إلى مثل صيني آخر يقول: ما لم نبدأ بـالموقف المناسب، فلن نجد أبدأ الحل المناسب.
ولد العالم الفقيه أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف أحد أئمة المالكية في مدينة طرطوشة بالأندلس عام 451 هجرية وإليها ينسب، وحفظ القرآن، ودرس الفقه، غادر بلاده في عام 476 هجرية إلى مكة المكرمة، وأدى مناسك الحج وألقى بعض الدروس، ثم سافر إلى بغداد وتعلم في مدارسها، وزار بلاد الشام ونزل بمدينة بيت المقدس.
جاء إلى الإسكندرية في سنة 488 هجرية وتوفي بها عام 520 هجرية، وله العديد من الكتب أبرزها مختصر تفسير الثعالبي، والكتاب الكبير في مسائل الخلاف، وكتاب الفتن، وكتاب "الحوادث والبدع".