الأربعاء 2 يوليو 2025 02:12 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

طارق محمد حسين يكتب : قنابل غذائية فى الشارع المصري

الكاتب الكبير طارق محمد حسين
الكاتب الكبير طارق محمد حسين

إن صحة المصريين من اهم الملفات التي توليها الدولة والقيادة السياسية أهمية فائقة ، وتعتبر تحد لا يقل عن تحديات السياسة وصعوبات الاقتصاد ،وتبذل الدولة جهودا كبيرة ومكثفة وتنفق مئات المليارات للعلاج وتطوير البنية الأساسية الصحية ، واطلقت عدة مبادرات لعلاج الأمراض السارية المزمنة ونجحت في القضاء علي غول فيروس سي ، لكن هذه الجهود تكاد تضيع هباء في ظل انتشار أنواع جديدة وغريبة من الأنماط الغذائية في الشارع المصري ، فقد انتشر فى شوارع مصر مئات المطاعم والفاترينات التى تهدد الأمن الصحي المصري، حيث تسهم فى تدهور صحة المصريين بنشر ثقافة غذائية مستحدثة ضارة ، فأصحاب هذه المحال قد لا يقصدون الضرر بما يقدمونه من وجبات يعلن عنها وتقدم بصورة جذابة وشيقة ، رغبة فى إقناع وإقبال المواطن وإقناعه بأنها سر السعادة ومفتاح البهجة ، في حين أنها ليس سوي مفتاح لدخول عالم الأمراض ومعاناتها ، بل وتهديد الحياة بالتأكيد إنهم يسهمون فى إيذاء المصريين صحيا أشد الأذى، ويستهترون بصحتهم أشد أنواع الاستهتار، إن ما يقدمونه من وجبات أو مشروبات يؤدى دون مبالغة لتراجع في مستوي الصحة العامة للمواطنين ، وانتشار أمراض خطيرة أشهرها السمنة والتي تؤدي لأمراض القلب والسكري بنوعيه ، وبالتالي إرهاق ميزانية الدولة بتوفير العلاج ، وانخفاض الناتج المحلي للفرد لأنه بدون مواطن خالي من الأمراض لا تقدم اقتصادي ، ما أتحدث عنه هنا هو تدهور طريقة غذاء المصريين فى محلات الشارع، وانتشار أكلات هى أقرب للسموم فى العديد من المطاعم فى شوارع مصر وذيوع صيتها عبر إعلانات السوشيال ميديا المكثفة ورخيصة التكلفة بالمقارنة بغيرها.. أنا لا أتحدث هنا عن استخدام خامات فاسدة أو العمل فى ظروف نظافة غير مثالية.. إلخ؛ لأن هذا ملف آخر، الخطر الأول الآن هو شيوع نمط غذائي يمكن الرمز إليه بالقنبلة ، خاصة فى مجال الحلوى والوجبات السريعة الجاهزة وحتي المشروبات، فكرة القنبلة أن يضع صانعها كل شيء على كل شيء، ويدعو المصريين لالتهام هذا المزيج أو الكوكتيل ، فإذا كان الجسم يحتاج مثلًا لكمية معينة من السعرات حتي يشعر بالإشباع، فإن صانع القنبلة يقدم للمستهلك خمسة أضعاف ما يحتاج.!! ، صانع القنبلة يضع مثلًا الأرز باللبن على قطعة من البسبوسة على قطعة من الآيس كريم على قطعة من الفاكهة ويقدمها للزبون ، وحتي يكون سعرا اقتصاديا ومناسبًا لأقل الفئات تستخدم الزيوت النباتية بدلًا من الزبد الطبيعي، ومكسبات الطعم بدلًا من الخامات الطبيعية.. مع الوقت تحولت «القنبلة» إلى موضة بين المصريين.. ،فكرة القنبلة تقوم على وضع بواقي كل شيء على كل شيء ، فظهرت سلسلة محال حلويات تقدم مزيدًا من القنابل.. آيس كريم على مهلبية على قشطة على كنافة على مكسرات.. إلخ. ، قنبلة سعرات حرارية تقود متناولها بكل هدوء إلى معهد السكر والقلب وإلى طبيب السمنة ، وتقلل من قدرته على العمل والانتاج وعلى الحياة أساسًا ، أن سبب لجوء كثير من المواطنين لقنابل الحلوى يعود لأنها أرخص سعرًا حيث تخلط بواقي عدة اصناف من الحلوى وبيعها بسعر زهيد ، فى مجال الأكل السريع انتشرت بشكل سرطاني محال «الكريب»، وهو نوع من الفطائر تحول لدينا إلى نوع من القنابل الغذائية، مكون من العجين زائد السمن الصناعي الضار زائد بقايا أي شيء داخل العجين، مثل اللحوم المصنعة والأجبان والبطاطس المقلية والمخللات وأي شيء داخل شيء.. المواطن معذور لأن هذه الأكلة مشبعة ورخيصة السعر نسبيًا ، هى تشبع رغبته فى أكلة ثقيلة ساخنة تملأ المعدة، لكنها تقوده إلى الامراض الباطنية المزمنة ، لقد تراجعت الأكلات الشعبية مثل الفول والطعمية والكشري التي تقدمها مطاعمنا الشعبية ، أمام إقبال كبير من الشباب علي مطاعم الوجبات السريعة ، وللأسف فإن الدولة ممثلة فى وزارة الصحة لا تتدخل، لا بالنصح ولا بإلزام هذه المطاعم بتحديد عدد سعرات معينة فى كل «قنبلة» تقدمها للناس.. رغم أن الوزارة والدولة كلها هى التى تدفع الثمن في النهاية، فالأرقام تقول إن هناك ١١ مليون مصري مصاب بمرض السكري من النوع الأول والثاني، يقف أغلبهم على أبواب التأمين الصحي والمستشفيات يطالبون بملايين الجرعات من الأنسولين يوميا ، ومئات الآلاف من قرارات العلاج على نفقة الدولة، إن عدد مرضى السكري فى مصر مرشح للارتفاع إذا استمر إنتشار مثل هذه القنابل الغذائية و التهاون والسماح بانتشارها ، إن أرقام وزارة الصحة تقول أن ٤٠٪ من المصريين البالغين يعانون السمنة ، وهى بالمناسبة سبب رئيس فى أمراض القلب والضغط والسكري والكبد والاكتئاب ، ومسئولية التوعية أيضًا ملقاة على هيئة سلامة الغذاء فى مصر، التى نسمع عنها ونتمنى أن نري لها نشاطا في المتابعة والمساهمة في مجال التوعية والتثقيف ، على وزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء ومعهد التغذية المصري أن يكثفوا من حملات التوعية والتثقيف الصحي وتحذير المواطنين من الإقبال على الوجبات الغذائية السريعة غزيرة السعرات الحرارية ، والعودة إلي استهلاك الخضر والفاكهة الطازجة بالوجبات وتغيير الأنماط السلوكية الغذائية للمواطن ، نتمني الاهتمام بهذا الملف الحيوي الذى يمس صحة وحياة المصريين .