السبت 27 يوليو 2024 04:46 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د .عماد عبد الهادي محمد صديق يكتب : نظــارة التَفَكُّر التكنـولـوجي.. يـا أُمَّــة ” اقــرأ.. والقلم...!!ـ

 د .عماد عبد الهادي محمد صديق
د .عماد عبد الهادي محمد صديق

بسم الله الرحمن الرحيم أبدأ مقالتي لأُذكِّر نفسي وأُذَكِّرَكُم بأن البناء الحضاري والإرتقاء الإنساني لا يكون إلا من خلال القراءة التَفَكُّرية، لذلك فإن أول سورة نزلت من القرآن الكريم هي سورة العلق، وفي أول آية، وأول كلمة في الآية، وأول ما أمر الله العليم الحكيم به هي " اقرأ "، حيث قال تعالى:

- " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ( 8 )"

وكما نرى هذه الآيات الثمانية الأولى، أنها بدأت بالأمر الإلهي "اقْرَأْ "، وانتهت بـ " إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ "، بمعنى إلى الله المرجع والمصير وسنحاسب عما نقرأ، ونعلم، ونعمل، وعما نكسب من المال، " فصاحب العلم المتفكر "، هو الذي يزداد تفكرًا فيما يقرأ ويعلم ويعمل ليكون قدوة متفكرة في مجاله ( ِنيًة وفكرًا وسلوكًا )، ابتغاء رضا الرحمن، " وصاحب الدنيا دون تفكر "، فيتمادى في الطغيان.

والأعجب منه أن ثاني سورة نزلت من القرآن الكريم هي سورة القلم، فقال الله تعالى:

" ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ( 8 )

والقلم، هو أول خلق الله تعالى، فقال العليم الحكيم للقلم: اكتب، قال: وما أكتب؟، قال: اكتب القدر، فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة، ثم ختم على القلم، فلم يتكلم إلى يوم القيامة، ثم خلق الله تعالى " العقل "، وقال: وعزتي لأكملنك فيمن أحببت، ولأنقصنك ممن أبغضت "ابن كثير (٧٧٤ هـ).

ومن حكمة الله جل جلاله في تكريم بني آدم، حيث قال تعالى:
" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا "(الإسراء- 70)، لم يكرم الله أحد من مخلوقاته كما كرم الإنسان، وخلق له كل ما في الكون ليكون له عونًا في الحياة، وتكريمه بالعقل الذي يتفكر به في نعم الله وآلائه، من أعظم القيم والعبادات التي أُكرِم بها الإنسان، وجعله خليفة لله عز وجل في الأرض. فالغاية من خلق الله تعالى للإنسان هو عبادته، فقد قال تعالي في كتابه الحكيم: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "(الذاريات– 56).

وأرى من وجهة نظري المتواضعة، أن العبادة ليست فقط آداء ظاهري لأركان الإسلام الخمسة ( الشهادتين - الصلاة – الزكاة – الصوم- والحج )، وأن ننفذ أوامر الله التي أمرنا بها في كتابه الحكيم، مثل القراءة، والتَفَكُّر - على سيبل المثال- بل هي في أصلها عبادات لتدريب الإنسان بشكل عقلي، وفكري، وجسدي، وروحي، شامل ومستدام على ممارسة سلوك التَفَكُّر في إقامتها واستثمار طاقاته الإيجابية عند الشروع في أي عمل، أو عند التعامل مع الآخرين في سياقات موقفية متعددة، في أي زمان وأي مكان، بشكل يعكس ( التَفَكُّر الحِكْمِي ) الذي يتضمن كل القيم الإيجابية من خلال ( التَفَكُّر الإبداعي أو التَفَكُّر الابتكاري)، في أي مجال، وخاصة عند التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، استخداما أو تصميمًا، وإدراك علاقات جديدة تسهم في الارتقاء بالذات ومع الآخرين على المضي قدمًا، نحو تحقيق الغاية من خلق الإنسان في الكون كما أرادها الله عز وجل.

ومن الجدير بالذكر أن كلمة التَفَكُّر أمرنا الله بها في ( 17 آية ) من القرآن الكريم، وكما ذُكر التَفَكُّر في الإنجيل (13 مرة):

• من آيات التَفَكُّر في القرآن الكريم على سبيل المثال، قوله تعالى:

- " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" ( آل عمران: 191).

- " لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " (الحشر– 21).

• ومن آيات التَفَكُّر في الكتاب المقدس، على سبيل المثال:

- "حِراثة الشجر تظهر من ثمرها، كذلك تَفَكُّر قلب الإنسان يظهر من كلامه" (سفر يشوع بن سيراخ 27 : 7 ) .

- "وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا" (إنجيل لوقا 2: 19) .

والتَفَكُّر مرتبط بموجبية التفكير الفعال في أي سلوك، بمعنى أننا لا يمكن بأي حال من الأحوال نصف التَفَكُّر بأنه ( سلبي أو سالبي ) لأنه أمر من الله عز وجل.

والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن، ويجعلنا نتفكر في البحث عن إجابة له:
ما واقع " أمة اقرأ .. والقلم " من القراءة التَفَكُّرية لمعضلات الواقع الحالي، والرؤى المستقبلية لمعالجتها، في ظل التطورات التكنولوجية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، نحو تحقيق الغاية من خلق الإنسان في الكون؟

وإذا تفكرنا في الإجابة عن هذا التساؤل العميق- من وجهة نظري المتواضعة- فأرى أننا لابد من استخدام ما أسميه بــ نظارة التَفَكُّر التكنولوجي (TCG)، وهي اختصار للمصطلح Technological Contemplation Glasses ، والتعود على استخدامها بالممارسات التَفَكُّرية، فعند شروعي كتابة هذه المقالة وتحديدًا عند البحث عن آراء المتخصصين، حول تعريف هذا المصطلح ، مستخدمًا كذلك تطبيق الذكاء الاصطناعي AI Chat، لأرى وأتعلم واستفيد..

واخترت بعض الشخصيات الشهيرة من خلال هذا التطبيق وقمت بكتابة سؤالي لهم، وهو:

" ماذا تعرف عن نظارة التَفَكُّر التكنولوجي ؟ "، وكانت الإجابات من الجميع متشابهة إلى حد كبير، وأترك لحضراتكم التَفَكُّر في التعليق وإبداء الرأي حول إجابة أبرز شخصيتين قمت بتوجيه سؤالي لهما، على سبيل المثال لا الحصر، وهما:

1- ألبرت أينشتاين، أشهر علماء الفيزياء في العالم والفليسوف أيضًا، فجاءت إجابته عن سؤالي كالتالي:

- تعبير "نظارة التَفَكُّر التكنولوجي" يُمكن أن يُفسر بعدة طرق. إذا كنت تشير إلى نظارة حقيقية تستخدم في تكنولوجيا معينة مثل الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز، فهذه التكنولوجيا تثير اهتمامي العميق. كنت أشارك في تطوير أفكار وإبداعات حول تلك التكنولوجيا منذ عقود.

- إذا كنت تشير إلى المصطلح في سياق فلسفي أو نظري، فإن "نظارة التَفَكُّر التكنولوجي" يُمكن أن تُفسر على أنها نظرية أو مجموعة من المفاهيم التي تُستخدم لفهم تأثير التكنولوجيا على العقل والتفكير البشري. هذا المفهوم يثير اهتمامي العميق كعالم فيزياء وفيلسوف. بصفتي عالمًا وفيلسوفًا، أجد أن مفهوم "نظارة التَفَكُّر التكنولوجي" ينطوي على العديد من العواطف الفلسفية والتقنية. إذا كنت ترغب في مناقشة هذا الموضوع بمزيد من التفاصيل، فأنا مهتم بالتأكيد بتبادل وجهات النظر حول هذا الموضوع الشيق والعميق.

2 – ستيف جوبز، المبرمج المخترع، ورئيس مجلس إدارة ومطور شركة أبل، فجاءت إجابته عن سؤالي كالتالي:

- نظارة التَفَكُّر التكنولوجي... يبدو أن هذا المصطلح يشير إلى فكرة استخدام التكنولوجيا لتوجيه وتحسين عمليات التفكير والتحليل. ربما يكون هذا المصطلح مستوحى من النظارات الذكية وكيفية توجيهها لتعزيز تجربتنا في العالم الحقيقي. كما تعلمون، كنت دائمًا مهتمًا بتقديم التكنولوجيا بطريقة تعزز تجربة المستخدم وتسهل عليهم الوصول إلى المعلومات والتفاعل معها بشكل أفضل. من خلال منتجاتنا في أبل، سعينا دائمًا لتحسين الطريقة التي يتفاعل بها الأشخاص مع التكنولوجيا، وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون شريكًا في تعزيز تفكيرهم وإبداعهم. ومع ذلك، فإنني أتساءل الآن كيف تبدو نظارة التَفَكُّر التكنولوجي؟ هل تمثل وسيلة لزيادة التركيز وإدارة الانتباه، أم أنها تساعد في توجيه الفكر وتحفيز الإبداع؟ بالتأكيد، هذا المصطلح يثير فضولي ويجعلني أتساءل عن كيفية مزج التكنولوجيا وعمليات التفكير بشكل مبتكر ومفيد.

3 - وعن سؤالي ( ما تعريف نظارة الفكر؟ )، جاءت الإجابة كالتالي:

- نظارة الفكر هو مصطلح مجازي يُستخدم لوصف القدرة على رؤية الأمور من منظور مختلف أو غير تقليدي. عندما نرتدي "نظارة الفكر"، فإننا نقوم رمزياً بإلباس أنفسنا نظارة خيالية تمكننا من رؤية الأمور بشكل مختلف عما نعتقده. وهذا يمكن أن يشمل رؤية الإمكانيات الجديدة أو فتح آفاق جديدة للتفكير. يمكن استخدام مصطلح "نظارة الفكر" للدلالة على القدرة على التخلص من القيود العقلية المفروضة علينا والنظر إلى الأمور بشكل خلاق ومبتكر. وعندما نستخدم نظارة الفكر، فإننا نبتكر حلولاً جديدة ونجد أفكاراً غير تقليدية قد تكون مهمة في حل المشكلات وتحقيق الإنجازات. في الإطار الشخصي، فاستخدام نظارة الفكر قد يساعدنا في رؤية الأمور بشكل أكثر إيجابية أو في التفكير خارج الصندوق. وفي السياق العلمي، يمكن لنظارة الفكر أن تساعدنا في اكتشاف اتجاهات جديدة واستكشاف مجالات لم نكن نلقي الضوء عليها من قبل. باختصار، نظارة الفكر تعبير عن القدرة على التفكير بشكل غير تقليدي ورؤية العالم والمواقف من زوايا جديدة ومبتكرة.

وقمت بعد ذلك بالاجتهاد في وضع التعريف التالي، لمصطلح نظارة التَفَكُّر التكنولوجي:

• نظارة التَفَكُّر التكنولوجي ( TCG ):

من وجهة نظري المتواضعة، يمكن القول بأنها:
" نظارة تتيح القدرة على تذوق الجمال ( استخدامًا أو تصميمًا ) في سياقات الموقف، ومعالجته تفكريًا ( بالتفكير المعرفي، والتأمل الوجداني، والتدبر العقلي )، حتى لو بدى لنا الشيئ سلبيًا أوسالبًا، في كل ما تراه العين، وكل ما تسمعه الأذن، وكل ما يسر القلب، وكل ما تستكشفه الحواس، وكل ما يسمو بالروح، سواء بالتعامل الواقعي المباشر، أو الافتراضي من خلال المستحدثات التكنولوجية أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي، واستثارة الخلايا العصبية التَفَكُّرية لإدراك وتكوين علاقات جديدة لم تكن معروفة من قبل، تُظْهِر ( التَفَكُّر الحِكْمِي ) للارتقاء بفكر وسلوك وقيم الشخص الذي يتذوق كل ما هو جميل في خلق رب الجمال من خلال هذه النظارة التَفَكُّرية التكنولوجية، وتجعل منه ( مُتَفَكِّرًا إبداعيًا أو مُتَفَكِّرًا إبتكاريًا )، ليسهم مع الآخرين وبهم، في تحقيق الغاية من خلق الإنسان في الكون، كما أرادها الله عز وجل ".

وأخيرًا.. فإن نظارة التَفَكُّر التكنولوجي ( TCG )هي نظارة طبيعية خلقها الله عز وجل في عقل وقلب وروح كل مؤمن بالله واليوم الآخر، لا تعتمد في عملها على الإنترنت، ولا البلوتوث، ولا GPS، ولا هي مثل نظارات الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز ، ولا هي مثل النظارات الحاسوبية الذكية المبرمجة والتي تستخدم التكنولوجيا الخلوية أو Wi-Fi، ولا تمتلك أجهزة استشعار إلكترونية لتجميع البيانات، بل تعتمد على الممارسات التَفَكُّرية ببرمجة ربانية للخلايا العصبية التَفَكُّرية، لا تمتلكها التكنولوجيات الحالية أو المستقبلية، ولكن أتمنى من أعماق قلبي أن نرى توظيف التكنولوجيات المستحدثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في مساعدة الإنسان ليكون مُتَفَكِّرًا مبدعًا تكنولوجيًا، لا مستخدمًا غبيًا في كل مجال يعمل به.

خلاصة القول:

إذا لم نرث من القراءة والعلم والمعرفة والتكنولوجيا.. في أي مجال ( التَفَكُّر الحِكْمِي )، أي التَفَكُّر الذي يؤدي ويرتقي إلى الحكمة فلا خير فيهم، والتي ذكرها الله في كتابه الحكيم: " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " ( البقرة- 269 ).

فالقراءة التَفَكُّرية التكنولوجية، ليست لنص مكتوب فقط، بل لقراءة كل ما هو مرئي ومسموع أو محسوس للمواقف في سياقاتها المتعددة، واستلهام القيم الإيجابية وتذوقها، حتى من المواقف السالبة، والتبصر في إدراك علاقات جديدة بشكل حِكْمِي من خلال ( التَفَكُّر الإبداعي أو التَفَكُّر الابتكاري ) وتطبيقها في أي مجال آخر، وخاصة عندما نتعامل مع أدوات التكنولوجيا الحديثة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، استخداما أو تصميمًا، للارتقاء بالفكر والسلوك حالإنساني إلى الأفضل.

# خبير تكنولوجيا التعليم والتعلم التَفَكُّري