السبت 27 يوليو 2024 04:42 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتورة سلوى سليمان تكتب : الوعي الزائف وضياع الهوية…

دكتورة سلوى سليمان
دكتورة سلوى سليمان

أضحت وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت مصدراً مستمراً يستقي منه الكثيرين المعلومات في العصر الحالي بدرجة مفرطة، ولا شك أن تلك المصادر تعج بالكثير من الأحداث والأخبارالتي يتابعها الأغلبية من كل الفئات بطريقة سطحية دون تعمق لأنهم جذبوا بالعناوين أو المعلومات البسيطة التي يود المرسل ايصالها للمتلقي، وهنا يتشكل الوعي والإدراك عن طريق تلك العناوين المختصرة دون التمكن من فهم أي حدث سياسي أو اجتماعي أو تحليله للوصول إلى ما وراء ذلك الحدث.
وبالكاد تقدم لنا تلك المصادر العديد من الإيجابيات والسلبيات حيث جعلت الإتصال أكثر فعالية وسهلت فرص العيش والتكسب، إلا أنها أيضاً ولدت العديد من التأثيرات السلبية، بل أصبحت قنبلة موقوته لطمس الهوية ونشر الأمراض النفسية، ورغم ذلك لم يعد الأمر هيناً حيث لم نعد نستطيع العيش بدونها.
ومما لا شك فيه أن هذا الوعي حتماً ناقصاً؛ لأنه لا يُمكن صاحبه من معرفة لم حدث الحدث وما خلفيته. وأجزم قولاً أنه وعي زائف يحمل بين طياته من الخطورة ما لا يمكن تصوره، وعندما يكون الوعي الذي يسيطر على فرد أو جماعة أو مجتمع فيعتقدون بإصرار أنَّه حقاً وخلافه باطل، فهو في الحقيقة ماهو إلا وعي زائف، ويعني هذا المفهوم عند ماركس شعوراً بوعي مزيف لدى مجموعة جرّاء فقدانها لهويتها الحقيقية.
إلا أن الوعي بقدر ما يتصف بالقوة والضعف، نجده أيضاً يختلف في أنواعه، فقد يكون وعياً خيالياً أو عقلانياً، وقد يكون وعياً حقيقياً أو زائفاً.
هذا الوعي "الزائف" فيه من الخطورة ما لا يمكن تصوره، حيث نجد تناقض وجهات نظر بعض الأفراد في أمور عدّة، فنجد من يناصر طرفاً ويعاديه في ذات اللحظة، دون أن يشعر بذلك، لا لسبب إلا لتبنيه ذلك المعتقد ونقيضه في ذات الوقت، فيعتنق التناقض ويجادل به، ويحاول إقناع الآخرين به ممن يستمعون له، أو يتوهم أنه يمتلك قوى خارقة لا توجد عند أحد، أو أنه يبشر بمذهب جديد لا بد أن يُعتنق، أو أنه يعايش أنماطاً فكرية وسلوكية لا يريد تغييرها رغم مساوئها.ولو دققت قليلاً في الأمر معه، لوجدت أنه لا يعي ولا يعرف لم هذا ولم ذاك، فهو لم يقرأ إلا العناوين، ولم يتبحر في فحواها، وما وعيه إلا وعي زائف اكتسبه عبر ما التقط بعينيه أثناء تصفحه منصات التواصل الاجتماعي. وإن استمر هذا النهج، سيسود الزيف والخداع، وسينهار الفكر والإبداع، وستكون العواقب وخيمة.
والأشد خطورة عندما يتطور هذا الوعي المبني بشكل خاطئ ومتناقض، ويصبح أصحابه من قادة الرأي والمجتمع، وهذا سيخلق موجهين وناصحين ومبدعين يتحفون المجتمع بأفكار ومقالات بنيت مشوشة وغير مؤكدة بأدلة وبراهين مبنية على زيف وعي. والمؤسف أن غالبية التابعين لهم من الشباب ممن يتأثرون بما حولهم لأن لديهم وعي غير واقعي أو عقلاني، ولا يدركون مقاصد ما يقال لهم عبر ما يُسمع أو يُقرأ او يٌشاهد.
ويتشكل الوعي الزائف بالعديد من الطرق، وهي كثيرة في وقتنا الحالي، فهناك العديد من العوامل التي اجتمعت معاً واستطاعت خلق هذا الوعي الزائف لدى الأفراد. والذين تنبهوا لهذا الأمر هم قلة قليلة من المثقفين والكتاب والسياسيين، إلا أنهم لم يستطيعوا تغيير الوعي الزائف إلى وعي حقيقي ، لتأثر الغالبية العظمى بالمؤثرات التي تخلق حالة الوعي هذه لديهم، وسيطرة العقل الجمعي على تصرفات العامة؛ الأمر الذي أثر وبشكل كبير على حياتهم، و من أبرز العوامل التي تشكل الوعي الزائف لدى عامة الناس الإعلام الموجه والذي يهدف في أغلب الأحيان لخدمة مصلحة معينة، و الذي يبني حقائق ويهدم أخرى ، ويمحي أسماء ويظهرأخرى، أو أن يقوم بتزييف الوعي عند الأفراد وخلق اعداء وهميين لهم بديلاً عن أعدائهم الحقيقيين ، مما يجعلهم يحكمون على مختلف القضايا والأمور التي تجري من حولهم وفي مجتمعنا حكماً خاطئاً ، فلا يوجد إعلام نزيه عادل يعرض القضايا والأحداث بموضوعية مطلقة كما هي إلا القليل، وذلك من خلال تغيير محتوى المادة الإعلامية باستخدام أساليب مختلفة ومتنوعة بحيث تقدم للجمهور المستهدف حقائق زائفة كاذبة لا أساس لها من الصحة . لهذا السبب ينبغي عدم الاكتفاء بوسيلة إعلامية واحدة، بل يتوجّب مشاهدة الخبر أو سماعه من العديد من وسائل الإعلام حتّى تتضح الصورة كاملة، وحتى لا يغيب الوعي الحقيقي وطمس الهوية.
لذلك هناك حاجة ملحة لتغيير الوعي الزائف وتفجيره من أجل ترسيخ اتجاهات إيجابية مبنية على الحقائق والإدراك وأنماط التفكير العقلاني. وهذا يتطلب تنمية الوعي في شكل إيجابي بسلاح العلم والمعرفة والتثقيف.
وكي نصل إلى الوعي الحقيقي لابد لنا أن نستند على مؤسسات المجتمع تلك التي لها الدور الأكبر والهام في إظهار الحقيقة التي تلامس الواقع دون تزييف، فهى قادرة على تنمية الجانب العقلي والفكري الذي يحلل الأحداث وينقدها؛ فيستطيع أن يصل إلى الإدراك الذي يُكون الوعي الحقيقي، تلك المؤسسات تستطيع برمجة عقول الأطفال منذ الصغر على قيم وعادات وأخلاق المجتمع للحفاظ على الهوية، وكي لا يكون المجتمع متبوعاً ومسيطراً عليه .أما إذا كانت البيئة يسيطر عليها الوعي الزائف، فهم يشبون على هذا الوهم تلقائياً، ويصبح موروثاً عبر الاجيال ولايخرج المجتمع من هذا التوارث إلا بالتعرف على الفكر النقدي والتأملي والمعرفة .
لذا يجب أن نحرر العقول بحيث لا تكون ملكاً أو تابعاً لأحد أياً ما كان، فلا يُقبل رأياً من الآخرين ولا حواراً إلا بعد تحليله والتأكد أنه يسير في فلك القيم الاجتماعية السليمة؛ كي لا يتكون وعي مخالف زائف يدفع الأفراد دفعاً للتمرد والثورة والإفساد .
وفي الأخير ... لاشك أن هناك محاولات لطمس وتشويه هويتنا، فى ظل التحديات والتغيرات التى طرأت على المجتمع خلال العقود الماضية والآنية، مما أفرز وعياً مزيفاً جعل الأفراد فى كثير من الأوقات غير قادرين على التمييز بين الوعي الصحيح والوعي الفاسد. إذاً قضية الوعي قضية خطيرة ومهمة فى بناء المجتمعات ونهضة الأمم، فلا نهضة إلا من خلال وعى حقيقى للأفراد، و سيبقى للوعى مدافعون ومجددون رغم عظيم التحولات التي طرأت على الوعى نفسه سواء بظهور السوشيال ميديا، أو تصدر أشخاص على أنهم “علماء” يفتون ويشرعون، او تصدر نخبة مزيفة تتحدث وكأن معها مفاتيح كل شىء، وأن لديها الحقيقة المطلقة وهم لا يمتلكون حتى صدق قولهم فى سلوكياتهم وحياتهم، وستبقى أيضا هويتنا براقة ذات سياج قوي يحفظها من الطمس أو أن تذوب بين ثنايا هويات الأخرى....