الأحد 8 سبتمبر 2024 05:56 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور كمال يونس يكتب : من الذكريات المسرحية..أوبريت يمامة بيضا.. وعملها حسام الدين صلاح

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

مأزق كبير تعرض له المخرج حسام الدين صلاح إذ اضطر لحذف نصف ساعة من زمن عرض مسرحيته يمامة بيضا ، لتعرض ضمن فعاليات المهرجان القومى الثالث للمسرح المصرى كما تقتضى لوائحه ألا تزيد مدة العرض عن ساعتين ،بطولة على الحجار ، هدى عمار ، أحمد على الحجار ،محمود عزب ،جميل عزيز،محمد شرف، فاطمة الكاشف ، محمد عبد الرازق ،حمدي هيكل ،محمد عبده ،إيمان الشرقاوى محمد زكى ، التوءم إلهامي وجمال ( الشيخ والقسيس ) ،مجدي عبد الحليم ،أحمد فوزي ، إيهاب مبروك ، أحمد شحاته، أمان محيى الدين.
ألحان الموسيقار عمار الشريعى، إعداد وأشعار جمال بخيت ،عن عودة الروح التي كتبها توفيق الحكيم عام 1927 ، وعودة الوعي وهى سلسلة مقالات صدرت في أوائل السبعينات بعد رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، في محاولة للمعد أن يقرن بين العملين ، حتى يبرز مراجعة توفيق الحكيم لأرائه حيث ورد في الحوار على لسان مصطفى ( على الحجار ) مصر ناقصها مثلا زعيم كبير يجسد عظمتها ، وينور ليلها ونهارها بالحرية ، ويجسد حلمها القديم حيث الكل في واحد ، فترد سنية ( هدى عمار ) بأسلوب ساخر ، أيوه ، أيوه .. ويفكر بالنيابة عنا ، ويحلم أحلامنا ، ويحققها لنا ، ونديله حق تقرير المصير ، مصير الكل ، بما أن الواحد هو اللي بيجسد الجميع ، وهنا يظهر توفيق الحكيم ( الفنان القدير جميل عزيز الذي جسد في اقتدار شخصية الكاتب الكبير ) قائلا : الله الله يا سنية ، يسلم بقك ، أنا عقلي كان فين ساعة ما استعرت حكاية الكل في واحد ، عندما يصير الزمن إلى خلود سوف نراك من جديد ، لأنك سائر إلى هناك ، حيث الكل في واحد ، يوه .. يوه ، دلوقتى بس خدت بالى ، أنا الكلام دا قدمت بيه عودة الروح ، والروح تعنى الحياة ، ومع ذلك استعرت هذا الكلام من نشيد الموتى الفرعوني ، ازاى يا توفيق تغلط الغلطة دى ؟! ، ازاى تقدم رواية المقصود بيها التشبث بالحياة بكلمة من نشيد الموتى .
كما رد أيضا على الشعارات والهتافات الجوفاء التي تملأ حياتنا السياسية مثل بالروح بالدم نفديك يا فلان ، ومن العجب أنها تردد دون تفكير أو وعى ، ويلمح إلى فقدان الانتماء بقوله كل واحد منا أصبح جزيرة معزولة ، ولا نجتمع إلا على سيرة أصحاب البركة من الأموات ، وأصحاب السلطة من الأحياء ،. ومن مقولات العرض على لسان المدرس لطلابه في الفصل الديمقراطية إنك تاخد على دماغك ، وما جاء على لسان الشيخ سمحان ولما يقولوا امسك حرامية يلاقونا أحنا الحراس ، وأيضا قوله بعنا كله للخواجة، وهكذا تتماس المسرحية وهموم الناس،وهى دعوة جميلة للانتماء ، واستشعار كل منا مسئوليته في بناء الوطن .
ولكن فعلها المخرج الملم بأشكال الفرجة المسرحية ، وقدم عملا يستحق الوقوف عنده ، إذ أنه يجعل البعض ممن هم فى مكان الصدارة والقيادة لمواقع الإنتاج المسرحى أن يعيدوا النظر فى إمكانية عودة للمسرح الغنائى ، وقد اندثر إلى حد كبير ، محولا مسرحيته إلى أوبريت إذ تجاوزت مساحة الغناء أكثر من 90 فى المائة من زمن العرض ، حيث تضافرت إمكانيات المخرج مع ألحان عمار الشريعى التى تعانقت وأشعار جمال بخيت الرائعة ، والأصوات الشجية لعلى الحجار لمنى عمار ، وأحمد على الحجار ، مع خفة ظل محمود عزب ، ليحقق تجاوبا كبيرا من الجمهور متجاوزا عن بعض الاختصارات فى الحوارات والأحداث ليناسب العرض فى المهرجان ،لينفعل الجمهور مع العرض بقوة خاصة مع أغنية بيع التي أثارت مشاكل مع الرقابة، خاصة في ظل الاستمرار في بيع ما تبقى من القطاع العام وسياسة الخصخصة ،وما تثيره من جدل في الشارع المصري ، وغناها المطرب الكبير على الحجار بإحساس عال وشجن ومرارة وتهكم ، وتقول كلماتها يا عم بيع بيع
ما هي متباعة متباعة
.وحياتنا عملوها بضاعة
باعوا حياتنا ومصانعنا
باعوا حديدنا وتسليحنـا
حتي قمرنا اللي جامعنا
باعوه ولاد البيــاعة
باعوا الكتاب والكلية
باعوا الخيال والحريــة
باعوا سيرتنا الهلالية
باعوا الدوا والسماعـة
، وأغنية شريف التى غناها المنولوجست والممثل الكوميدي الرائع محمود عزب ،وتقول كلماتها : شريف شريف / لطيف خفيف/ بإيدين نظيفة / وضمير نظيف/ الميزانية زى الميزان / والشعب قبلى كان ليه جعان / دا الخير كتير / قمح وشعير وغموس / ونابت مش فطير / وفول مدمس/ جوه الرغيف / حلاوة.
الجو العام للنص والديكور بمفرداته التى راعت الفترة الزمنية التى تدور فيها الأحداث ، وسهولة التنقل من مشهد لمشهد رغم تثبيت وحدات الديكور عدا في مقدمة المسرح حيث تتنوع فيها المشاهد الكباريه ، والفرح اليهودي ، والفصل المدرسي ، والسوق ، وخلفية المسرح بدت كأنها بوابة للدخول في الأحداث ، وإطارا ظهر فيه توفيق الحكيم كتمثال في مشهد الختام.
وهكذا يتلخص سر التجاوب الجماهيرى في مخرج له رؤية ، استطاع بحرفيته تحقيق التناغم والانسجام بين عناصر العرض الموسيقى والغناء والاستعراضات ، والديكور الذي ساعده على تجسيد الزمان والمكان ، والتنقل بين المشاهد بسرعة ليحقق إيقاعا ساخنا للعرض ، وإيقاعا عاما للعرض ككل .

71f44ab0927f.jpg
b1ae4a2568a4.jpg