الأحد 18 مايو 2025 06:59 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتورة سلوى سليمان تكتب : الإجرام الأسري ظاهرة مثيرة للجدل

دكتورة سلوى سليمان
دكتورة سلوى سليمان

نعيش في الآونة الحالية حراك اجتماعي ملحوظ وانفتاح على العالم، وتخطي تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحدود المكانية والزمانية، ناهيك عن الغزو الثقافي الذي أدى إلى التغير في الأدوار الأسرية وظهور ظاهرة الجريمة داخل إطار الأسرة على اختلاف أشكالها نتيجة ضغوطات اجتماعية واقتصادية؛ مما أدى بنا إلى الشعور بالامتعاض والسلب، فكيف للأسر أن تتماسك في ظل هذا الزخم والضجيج؟

مما دفع ذلك بمختلف مؤسسات المجتمع إلى دراسة ظاهرة الجريمة الأسرية المستجدة على الحياة المصرية والسعي لإيجاد الحلول الجذرية للحد منها،
وفي حقيقة الأمر يختلف مفهوم الجريمة حسب المنظور المراد رؤيته منها، فهناك تعريف للجريمة من الناحية الاجتماعية كأفعال تتعارض مع القواعد والأعراف والعادات الاجتماعية السائدة في المجتمع، وأخرى من الناحية النفسية وهي أفعال تتنافى بشكل واضح مع الغرائز الإنسانية السوية، وثالثة من الناحية القانونية، وهي عبارة عن جميع الأفعال الخارجة عن القانون والمتفق على حرمتها ويعاقب عليها .

وعندما يتجسد السؤال واضحاً وجلياً ، وتكون الإجابة غائبة وغائمة وغير محددة، من المسؤول عن تفاقم الجريمة داخل إطار الأسرة؟
وأمام ناظري أجد المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات والأفراد، ويخالجني في جزع حال أسرة تفكك أفرادها وانشغل الأب والأم عن أبنائهم فأصبحو لا يدركون التفاصيل التي تحمل بين طياتها كل الأهميات الواقية لهم من الوقوع في براثن الخطأ والانخراط في حظ عاثر يجعلهم يؤذون أنفسهم.

والإجرام الأسري هو ذلك النمط الحديث الذي تتنوع فيه الظاهرة الإجرامية داخل النطاق الأسري الواحد، بسبب ما يستجد في الحياة الاجتماعية من ظروف وما يطرأ عليها من متغيرات تترك آثارها في الجريمة، فتغير من شكلها ومن وسائل إتمامها.

وبعين فاحصة نتبين أن الإجرام الأسري يرجع لأسباب متعددة منها ضعف الوازع الديني وانعدام الرقابة،والاستخدام الغير مقنن لوسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصال والتي تعد سلاح ذو حدين، وانعدام الحوار داخل الأسرة والبطالة والفقر والحرمان العاطفي خاصة بالفرد، والكره والحقد، وحب السيطرة، وحب الفضول والمغامرة وتجربة الأمور غير الطبيعية.

واتضح أن من أهم أسبابها أيضا الاختلال العقلي والنفسي، والضغوط الاجتماعية والنفسية، والأوضاع الاقتصادية المتردّية، وإدمان المخدرات، والتي تؤدي إلى توتر العلاقات بين أفراد العائلة فتدبّ المشاكل في ما بينهم لتطيح بالدفء العائلي، حتى أن بعض الدراسات الاجتماعية أكدت أن جرائم القتل الأسري في مصر تشكل أكثر من ربع إجمالي جرائم القتل، وأن أكثر من 90 % من هذه الجرائم تُرتكب دفاعاً عن الشرف، نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات والضائقة المالية والأزمات النفسية والإدمان وأصدقاء السوء، فيصبح الأفراد غير قادرين على السيطرة على أنفسهم .

و لا يمكن إغفال التراجع الكبير في دور وتأثير أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة، سواء في الأسرة أو في المدارس والجامعات والمؤسّسات الثقافية، وكذلك ارتفاع معدلات العنف في الأفلام والمسلسلات الدرامية التي تدعو إلى البلطجة والقتل والانتحار.

القضية خطيرة وشائكة وتزداد سوءاً في ظل غياب رؤية حقيقية لعلاجها، وفي الوقت نفسه استمرار الأسباب المؤدية إليها، ولهذا لا بد من تحرّك جماعى، سواء من مؤسسات الدولة أو المجتمع المدني، وكذلك المؤسسات الدينية ممثلةً بالمساجد والكنائس، مع وضع ضوابط إعلامية لكيفية تغطية هذه الحوادث، حتى لو وصل الأمر إلى منع النشر حولها، أو فرض شروط على النشر تحول دون الترويج لها وجعلها قضايا رأي عام، وبما أن أفراد المجتمع يعيشون في ظروف مماثلة،ترتكب الجرائم الأسرية كل من يتعرّض لضغط نفسي فتبدو الجريمة وكأنها الطريق الأسهل للهروب.

ولذلك فنحن بحاجة إلى حلول غير تقليدية تشدّد على ضرورة الوعي بأهمية التناسق الأسري، وزيادة الوعي الديني السليم بلا إفراط أو تفريط، ومضاعفة التوعية الإعلامية من خلال البرامج الهادفة إلى بناء الأسرة، وتكثيف دور مؤسّسات التعليم واهتمام الأسرة بالقيم والأخلاق.

و الطامة الكبرى الاعلام الموجة الذي يبث لهم مفاهيم مغلوطة وتغييب كامل للعقل، مما يضعف من إرادتهم رامياً ظلال التشتت على كل الأشياء من حولهم. فيجعلهم يجربون ويقلدون كل ما يعرض عليهم دون تفكير، وغيرها من الأسباب العديدة التي كان ضحيتها أفراد من أسرة واحدة…
وبالكاد إعادة النظر في أساليب التربية التقليدية في عصر العولمة والفضائيات بحيث لا ننفتح على كل ما ينشره الإعلام الدولي وخاصة ما يتصل بالجرائم الأسرية وحوادث الانتحار فيكون متاح للأفراد بكافة أعمارهم تقليده.
وفي الأخير... يعتبر الإجرام الأسري من أكثر أنواع الإجرام خطورة على الأسرة وعلى كل أفرادها نتيجة لما يترتب عنه من أخطار تلحق بهم وتخلف وراءها آثار سلبية عليهم؛ مما يعود بالسلب على المجتمع الذي يتفكك بدورة حيث يحمل بين طياته أسراً هشه لا وثاق ولا ربط بين أفرادها، ومن هنا وجب التركيز على دور مؤسسات المجتمع في مواجهة هذه الظاهرة (الجريمة الأسرية) للتخلص منها، حتى تخلع الحياة ثوب السواد الذي حوط جسدها فيسطع بريقها ويصبح الأمل قريب المنال... كذلك زيادة الاهتمام بالإعلام الموجه وخاصة المرتبط بالتوعية، وهنا يتجلى دور التلفاز من خلال قوة انتشاره وشيوعه والذي له الدور الأكبر في المساهمة في مجال وقاية المجتمع من الجريمة، وذلك من خلال التوسع في البرامج والأعمال التلفزيونية التي تعالج المشكلات الاجتماعية، وتسهم في نشر القيم الإيجابية لدى مختلف فئات المجتمع وزيادة البرامج المتخصصة في مجال التوعية، كذلك تفعيل دور المدارس والمؤسسات التربوية في عملية نشر الوعي الأمني وتحصين الأسرة والمجتمع ضد الجريمة والانحراف…