د. وجيه محمود يكتب : المدينة الفاضلة... المدينة المنورة قبسات من الهجرة النبوية الشريفة


قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بألف عام حلم إنسان - وحق له أن يحلم - حلما جميلا رآه خيالا وتمناه واقعا.
حلم أفلاطون بمدينة فاضلة تبحث عن الكمال الإنساني في كل شؤون الحياة .
سكانها كالملائكة لا يجمعهم إلا هدف واحد هو الخير وحب الخير وفعل الخير .
قلوبهم سليمة لا تعرف غلا ولا حسدا
صدورهم نقية لا تحمل بغضا ولا ضغينة
مدينة لا تجد فيها مظلوما ولا مقهورا لأنهم جميعا متساوون في الحقوق والواجبات .
لا فرق بين أبنائها ولا تمايز بين أفرادها غنيا كان أو فقيرا عظيما كان أو حقيرا .
وهذا الحلم بالطبع صعب المنال بل مستحيل الوقوع لما جبل عليه البشر من حب الذات وتزيين الشهوات فلابد وأن يقع الخلاف ويدب النزاع وتظهر الأطماع فينتشر الظلم والفساد ويملأ الشر حياة العباد
....
ولكن ..
في زمان ما .
وفي مكان ما.
استطعنا العثور على المواصفات التي وضعت لهذه المدينة الفاضلة
الزمان :
السنوات العشر المباركات التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة .
المكان : المدينة المنورة التي هاجر اليها النبي صلى الله عليه وسلم
.. عثرنا على المدينة الفاضلة التي كان يبحث عنها أفلاطون .
إنها المدينة المنورة التي كان زعيمها سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأكمل البريات وأحكمهم وأعدلهم وأعظمهم خلقا وخلقا .
أما سكانها من المهاجرين والأنصار فقد انصهرت بينهم كل الفوارق الاجتماعية وذابت كل النزعات الجاهلية وانتهت كل العداوات القبلية .
لا فرق في اللون أو الجنس أو الحسب أو النسب أو الوطن .
...
لم تعرف البشرية أخوة ولم تر تآخيا كما رأت في المدينة المنورة في السنوات العشر المباركات.
يتقاسم الأخ مع أخيه ماله وبيته حتى زوجاته ووصل الأمر أنهم يتوارثون إلى أن نزل قوله تعالى ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله )
.. مدينة لا تعرف إلا الصفح والعفو والتسامح وطيب المعاملة وحسن الجوار
..وأعظم شيء في هذه المدينة يجلب عليهم السعادة والطمأنينة هو طاعتهم لربهم وتعبدهم إياه .
حتى تغير اسم يثرب الى طيبة وألهم الله أهلها أن يسموها المدينة المنورة .
يقول أنس رضي الله عنه لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أضاء منها كل شيء ولما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء .
...
تحدث القرآن الكريم عن سكان هذه المدينة في كثير من الآيات نذكر منها قوله سبحانه ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون . والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )
هذه هي المدينة الفاضلة
إنها المدينة المنورة
..
ولو أدرك أفلاطون هذه المدينة وعاش بين أهلها وسكانها لوجد ضالته واهتدى إلى بغيته
وأعلن على الملأ تحقيق حلمه المستحيل بهذا الواقع الجميل.