الدكتور محمود البحراوي يكتب ** (الأغنيه الوطنيه)... (حب للوطن أم تمجيد ونفاق للحاكم)


** تعد الأغنيه الوطنيه مكونا أصيلاً وموروثا ثقافياً حاضراً مع كل الأحداث التي مرت بها مصر مع بداية القرن العشرين منذ ثورة (1919) ومقاومة الاحتلال الإنجليزي مروراً بثورة الثالث والعشرين من شهر يوليو عام (1952) والحقبه الناصريه بكل أحداثها ومتغيراتها المجتمعيه ثم نكسة يونيو ونصر أكتوبر ومعاهدة السلام حتى بدأ يخفت بريقها شيئاً فشيئا خلال فترة حكم الرئيس مبارك لتعود مرة أخرى مع ثورة يناير وماتبعها من أحداث لتختفى تماماً من على الساحه الآن وربما يرجع هذا الإختفاء لعدم وجود حس وشعور وطنى صادق يشعر به الشعب عند السلطه الحاكمه أو لتراجع دور مصر السياسى والإقليمى وبالتالى إختفاء الأحداث السياسية الكبرى التى معها كان يتم تأليف وإنتشار الأغنيه الوطنيه
** لكن السؤال الآن ماذا نقصد بالأغنيه الوطنيه ؟
هل المقصود بها تمجيد الحكام أم التغنى بالوطن ونمو الوعى لدى الشعوب ؟ أو بمعنى آخر هل نغنى لحكامنا أم لبلادنا ؟ وخصوصاً وأنه عندنا لبس شديد بين الوطن والحاكم بل ويتم إختزال الوطن كله فى شخص الحاكم وهذه للأسف عاده متوارثه من قديم الأزل
** هل نعتبر (أنشودة الفن) للموسيقار محمد عبد الوهاب والتى بالغ فيها فى مدح الملك فاروق حين قال (والفن مين شرفه غير الفاروق ورعاه) أغنيه وطنيه مثلاً
وكذلك أوبريت (موكب العز) والذى كتبه الشاعر أحمد رامى ولحنه السنباطى وتغنت به أسمهان فهل هذا أوبريت لتمجيد الوطن أم لتمجيد العائله المالكه ؟
**لاشك بأنه كانت هناك أغانى للوطن ذاته فى الفتره الملكيه مثل (مصر تتحدث عن نفسها) و(صوت الوطن) لكن خلال الفتره الناصريه كانت الأغانى الوطنيه وماأكثرها فى تلك الحقبه هى أغانى لتمجيد جمال عبد الناصر نفسه وكان يذكر فيها إسمه صراحة زى (ناصر وصوره وأبو خالد) والأمثله كثيره وهلم جرا حتى حدثت نكسة يونيو فظهرت أغانى للوطن مثل (عدى النهار) و(أحلف بسماها وبترابها)
** مع بداية حكم السادات ظهرت الأغانى التى تحث على النصر حتى تحقق نصر أكتوبر وتسابق الجميع للتغنى بالنصر الذى طال إنتظاره وكان هناك أيضاً الأغنيه تغنى للوطن مثل (رجاله وطول عمر ولادك يابلدنا رجاله) حتى عادت مرة أخرى الغناء للحاكم وليس الوطن مثل أغنية سيد مكاوى (كان قلبى معاك طول ماأنت هناك) وتعيش ياسادات
** وكما ذكرت قبل ذلك إنحسرت الأغنيه الوطنيه فى عهد مبارك ولم يعد لها نفس البريق واللمعان لكن ظلت موجوده مثل رائعة شاديه (مصر اليوم فى عيد) يوم تحرير سيناء وكذلك أغنية (وحياة رب المداين) و(مصر ياأول نور فى الدنيا شق ظلام الليل)وهذه من نوعية الأغانى التى تغنى للوطن لكن أيضاً كانت متواجده الأغنيه التى تغنى لتمجيد الحاكم مثل أوبريت (إخترناك)
** ربما يصعب الإجابه على السؤال القائل هل الأغانى للحاكم تعتبر أغانى وطنيه أم لا ؟ لكن من الجدير بالملاحظه بأن العقل الجمعى المصرى لم يتذكر الأغانى التى تغنت بأسماء حكامه بينما أستمر فى وجدانه الأغانى التى تغنت لوطنه مثل (عدى النهار) و(ياحبيبتى يامصر) و(مصر تتحدث عن نفسها) و(حلوه بلادى) و(ياأحلى إسم فى الوجود) و(مصر اليوم فى عيد) وهكذا يثبت العقل الجمعى المصرى ان مايتبقى فى وجدانه من أغانى وطنيه هو ماإرتبط بمفهوم الوطن وليس بتمجيد الحكام وربما يستثنى من هذه القاعده لحظة الشجن الحقيقيه التى عاشها الشعب المصرى مع الوفاه المفاجئه لجمال عبد الناصر وهنا غنى الشعب المصرى كله (الوداع ياجمال ياحبيب الملايين) وربما يرجع ذلك بأن الشعب لم يكن يمجد حاكمه الذى مات بقدر من أنه يمجد لحلم قومى عاشه ولفتره ثوريه عاشها
#محمود_عزب_البحراوى