الأحد 20 أبريل 2025 03:20 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : يا باغيَ الخير أقبلْ

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ هذه الجملة جزء من حديث نبوي يقول: «إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ»، رمضان شهر الخير والبركة، وكان النبي يهنِّئ أصحابه بقدومه، يقول لهم: «قد جاءَكم شهر رمضان شهرٌ مباركٌ، كتبَ اللهُ عليكم صيامَهُ، فِيه تُفتَحُ أبوابُ الجنّةِ وتُغلَقُ أبوابُ الجحيمِ، وتُغلُّ فيه الشياطينُ، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم»، فهذا الحديث يُؤصِّل التهنئة بقدوم رمضان، وهو من مواسم الطاعات للمؤمنين يَحصُلون فيها على ثواب كثير بعمل صالح قليل، والله يعينهم على ذلك.
ــ من مظاهر العون الإلهي أن الشياطين ومَرَدة الجن يُصفَّدون، لكن ما الفرق بينهم؟ (الشيطان) على الأرجح مشتق من (شطن) بمعنى بَعُد عن الحق؛ لأن الشيطان يسعى باجتهاد إلى إبعاد الناس عن اتِّباع الحق وفعل الخير، وكل من يسلك مسلك الشيطان فهو شيطان، يقال: تشيطن الرجل: صار كالشيطان في أفعاله، ولذا فالشياطين إنس وجنّ، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}، وهذا يعني أن الجـنُّ مؤمنون وكافرون، قالوا: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} أي الظالمون لأنفسهم بالكفر، و(مَرَدَة) جمع (مارد) وهو المُتَمَرِّد الخارِج عن الطّاعَة، والعرب تسمِّي كل متمرد شيطانا، ومَرَدَة الجن كبار الشياطين أصحاب الشَّرِّ المطلق، قال تعالى: {وحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ}، وصُفِّدتْ: قُيِّـدتْ؛ لذا ورد «سُلسِلت الشياطين»، والمعنى أنهم ممنوعون من تحريض المؤمنين على ارتكاب الكبائر؛ حتى لا يفسدوا عليهم صومهم وطاعاتهم، فلا يرتكب الصائم كبيرة، لكن لا يمنع هذا من ارتكاب الصغائر التي تكفِّرها الطاعات.
ــ وفي رمضان تُغلَق كل أبواب النَّار وتُفتَح كل أبواب الجنَّةِ، وجاء الفعلان (غُلِّقتْ وفُتِّحتْ) مشدديْن للمبالغة في إحكام الغلق والاتساع في الفتح، وهذا التعبير مجازي المراد منه إغلاق أبواب الشر والمعاصي المؤدية إلى النار وفتح أبواب الخير والطاعات المؤدية إلى الجنة، فلا يُفهَم من الحديث أن من مات في رمضان يدخل الجنة بغير حساب، بل يُحاسَب إلا إذا كان ممن قال فيهم النبي: «يدخلُ مِن أمَّتي الجنَّةَ سبعونَ ألفًا بغيرِ حسابٍ همُ الَّذينَ لاَ يسترقونَ ولاَ يكتَوونَ ولا يَتطيَّرونَ، وعلى ربِّهم يتوَكَّلونَ»، لا يَسْتَرْقونَ: لا يَطْلُبونَ الرُّقْيَةَ من أحد لشدة إيمانهم بالله، ولا يَتَطَيَّرونَ: لا يَتشاءَمونَ، ولا يَكْتَوُونَ بالنار شفاءً لكمال توكُّلهم على الله، ولا يمنع ذلك من جواز الرقية والكي، لكن المحرَّم هو التطير؛ فلا طيرة في الإسلام.
ــ وفي كل ليلة ينادي منادٍ مِن عند الله، وهو مَلَك أو إلهام يضعه الله في قلب المسلم، يقول: يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر، فهذا شهر يُرغِّبُ في فعل الخير ويزهِّد في فعل الشر، والنداءان يدلان على أن قلوب الناس نوعان: قلب يبغي الخير فيبحث عنه ليفعله، وقلب يرغب في الشر فيسعى إليه، وتكرار النداء يوميا تحفيز للمؤمن على اجتناب الشر والاستباق إلى فعل الخير ولاسيما ما يعود على المجتمع بالنفع، مثل بـر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران ومساعدة الفقراء بالإنفاق والتصدق ومنع الأذى عن الناس، فينادي المنادي: يا من تريد فعل الشـر أمسِكْ نفسك وامتَنِعْ؛ فهذا وقت تـرِقُّ فيه القلوب للتوبة والإنابة إلى الله، ويا من تريد الخير والثواب هذا أوان فعل الخير ونيل الثواب؛ فأقبِل على الله بالطاعات فتُعطَى ثواباً كثيراً على عمل قليل ببركة هذا الشهر؛ لأن الأجر فيه مضاعف، وفقا لحديث «قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ»، فمن كان يتحرى الخير فليغنم شهر الخيرات بالإقبال على الله بمزيد من الطاعات والعبادات؛ ليكون من عُتَقاء النار برحمة الله وكرمه وإحسانه، وفي الحديث إثباتُ الجنَّةِ والنَّارِ، ولا يمكن إلغاء النار لأنها تحقق العدل الإلهي في الكافرين، كما أن الجنة تبرز الفضل الإلهي على المؤمنين.