د.عماد هادي الخفاجي يكتب : اللغة المبتذلة في الدراما العراقية وتأثيراتها السلبية على المجتمع


تعد الدراما العراقية من أبرز وسائل التعبير الثقافي والفني التي تعكس واقع المجتمع وتتناول قضاياه الاجتماعية والسياسية ومع تطور هذه الصناعة، ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مؤسفة تتمثل في استخدام لغة مبتذلة في حوارات الأعمال الدرامية، حيث يتم توظيف ألفاظ مسيئة مليئة بالسب والشتم، وهو ما يعكس انحدارا في مستوى الخطاب الثقافي والفني وان هذه الظاهرة التي قد تبدو عابرة للبعض لها تأثيرات سلبية عميقة على الجمهور خاصة في ظل الانتشار الواسع لوسائل الإعلام الحديثة التي تجعل من هذه الأعمال مرجعية للكثيرين، لذلك عندما يتم استخدام هذه اللغة المبتذلة في الأعمال الدرامية، فإنها تقدم قدوة سيئة للأجيال القادمة وخاصة الأطفال والمراهقين الذين يشاهدون هذه الأعمال فهم قد يتأثرون بهذه الألفاظ ويبدأون في تقليدها في حياتهم اليومية مما يؤدي إلى تفشي ظاهرة اللامبالاة في التعامل مع اللغة والتواصل الاجتماعي بشكل عام فضلا على ان هذا يهدد قدرة المجتمع على التفاهم بأسلوب راق ويقلل من احترام الحوار الثقافي في مجمل العلاقات الاجتماعية.
إضافة إلى ذلك تعتبر اللغة جزءا أساسيا من الهوية الثقافية لأي مجتمع وعندما تتبنى الأعمال الدرامية هذه الألفاظ المبتذلة فإنها تساهم بشكل غير مباشر في ضياع جزء من تلك الهوية الثقافية. في العراق على سبيل المثال تتسم اللغة باللهجات المحلية والعربية الفصحى الغنية التي تعكس تاريخا ثقافيا طويلا لكن استخدام هذه الألفاظ المستوردة قد يؤدي إلى تشويه هذه الهوية ويزيد من تراجع القيم اللغوية الأصيلة التي تمثل مكونات هذا المجتمع، وان الأمر هنا لا يقتصر على الأثر المحلي فقط بل يتعداه إلى تأثير الصورة التي تصدرها هذه الأعمال للعالم الخارجي، لان الدراما التي تركز على استخدام ألفاظ مبتذلة تساهم في رسم صورة مشوهة عن المجتمع العراقي حيث تقتصر القضايا المعروضة على الصراعات الشخصية والتعبير عن العنف مما يساهم في تعزيز قوالب نمطية سلبية عن هذا المجتمع. وعليه، فإن هذه الأعمال قد تؤثر سلبا على طريقة نظرة الجمهور المحلي والعربي نحو العراق.
ومن أجل ذلك من الضروري أن تعيد الدراما العراقية النظر في أسلوبها اللغوي وتعمل على تقديم حوار راق يعكس التحديات الاجتماعية بشكل يتناسب مع قيم المجتمع وينبغي أن تبقى الأعمال الفنية قادرة على التعبير عن الواقع بكل تفاصيله ولكن دون الحاجة إلى التنازل عن احترام اللغة والثقافة، بحيث يمكن استخدام الأدوات الفنية الأخرى مثل الموسيقى والتصوير لنقل الأفكار والمشاعر بشكل مؤثر دون الإضرار باللغة.
لذلك فإن الدراما العراقية بما تمتلكه من قدرة على التأثير في المجتمع تحتاج إلى تطوير أسلوبها في تقديم الحوارات بشكل يتلاءم مع القيم الإنسانية والثقافية، وهي بذلك يمكن أن تساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية بشكل إيجابي وتحسين الصورة الثقافية للمجتمع العراقي على الصعيدين المحلي والعربي.