الخميس 17 أبريل 2025 04:40 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( أمريكا و التحالفات الغربية الجديدة ..! )

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

شكّلت أحزاب يمينية متطرفة أوروبية مجموعة "وطنيون من أجل أوروبا"، بهدف التعاون بشكل أوثق مع إدارة ترامب ..

فى الوقت الذي يسير فيه تفكّك التحالف الغربي التقليدي ، الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية بقطبيه ، الأوروبي و الأميركي ، حول سردية ليبرالية جوهرها الفرد و الحريات و الرأسمالية ، بموازاة له تشكّل تحالف غربي من نوع جديد ، جوهره المحافظة الاجتماعية ، و الصراعات الثقافية والإقطاع التكنولوجي ..

و يظهر ذلك جلياً في التقارب بين اليمين المتطرف في أوروبا و أميركا ، الذي بدأ منذ سنواتٍ بشكل خجول ، ثم صار واضحاً و قوياً أكثر من أي وقتٍ مضى .. و كثيراً ما أعرب قادة اليمين المتطرف الأوروبي عن إعجابهم بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب و خطابه ، منسجمين مع أجنداتهم القومية و الشعبوية .. فقد أشاد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بترامب واصفاً إياه بأنه "من أكثر الرجال احتراماً"، ما يعكس تقارباً أيديولوجياً عميقاً .. و بالمثل ، أعلن قادة مثل الإيطالي ماتيو سالفيني و الهولندي خيرت فيلدرز دعمهم العلني لترامب ، متفقين معه في مواقفه بشأن الهجرة و السيادة الوطنية ..

كانت أوروبا و الولايات المتحدة منذ سبعة عقودٍ تعتبران حليفين قويين للقيم الغربية ، إذ تعملان معاً للدفاع عن ما يسمى بنظام قيم "الحرية و الديموقراطية". و مع ذلك، في مؤتمر ميونيخ الحادي و الستين للأمن ، صرّح نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بصراحة غير مسبوقة ، بأن أوروبا تنحرف تدريجياً عن القيم الغربية المشتركة .. وكانت كلماته اللاذعة والمحددة بمثابة مطرقة ثقيلة حطمت الانسجام الظاهري للقيم الغربية ، و كشفت عن الاختلافات القيمية التي طال أمدها بين الولايات المتحدة و أوروبا .. و اتهم فانس رومانيا بإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية للمرشح اليميني المتطرف على أساس "التدخل الأجنبي" .. و أشار بوضوح إلى أن هذا السلوك هو في الأساس مظهر من مظاهر "خوف الناخبين" و"استبعاد الآراء السياسية المختلفة" من قبل جماعات المصالح الخاصة ..

و لفترة طويلة ، كان هناك "جدار حماية" سياسي في السياسة الأوروبية : من أجل الحفاظ على النظام السياسي التقليدي ، فقد اتحدت الأحزاب السياسية السائدة في مختلف البلدان لمنع قوى اليمين المتطرف من دخول دائرة صنع القرار الأساسية .. لكن عودة دونالد ترامب أعطت دفعة معنوية لقوى اليمين المتطرف في أوروبا .. ذلك أن نمو القوى اليمينية المتطرفة في أوروبا يتناسب مع النوايا الاستراتيجية للولايات المتحدة في كثير من النواحي .. و على المستوى السياسي ، فإن بعض السياسات التي تدعو إليها القوى اليمينية المتطرفة تتوافق مع مطالب جماعات المصالح الأميركية ، و هو ما سيساعد الولايات المتحدة على تعزيز تنفيذ السياسات التي تتوافق مع مصالحها في أوروبا .. و على صعيد الرأي العام ، نجحت القوى اليمينية المتطرفة ، بالاعتماد على استراتيجياتها الدعائية الشعبوية ، في خلق مساحات نقاش في مجال الرأي العام الأوروبي و توجيه المشاعر العامة ، و بالتالي خلق بيئة رأي عام مواتية للولايات المتحدة و اكتساب المزيد من الهيمنة في العلاقات عبر الأطلسي ..

و في محاولة لتعزيز هذه العلاقات ، شكّلت أحزاب يمينية متطرفة أوروبية مجموعة "وطنيون من أجل أوروبا"، بهدف التعاون بشكل أوثق مع إدارة ترامب .. تُبرز هذه المبادرة رغبتها في التأثير على السياسة الخارجية الأميركية و كسب الدعم لأجنداتها المحلية .. ومن المتوقع أن يعزز نفوذ ترامب جرأة اليمين المتطرف في أوروبا ، ما سيساهم في تطبيع بعض الأفكار القومية و المناهضة للمؤسسة .. و في دول مثل فرنسا و النمسا و ألمانيا ، اكتسبت أحزاب اليمين المتطرف زخماً ، و كثيراً ما رددت خطاب ترامب بشأن الهجرة والهوية الوطنية .. و هو ما يطرح مخاوف حيال مستقبل الوحدة الأوروبية والتحول المحتمل نحو سياسات أكثر محافظة .. و رغم التشابه الأيديولوجي ، تنشأ تعقيداتٌ نتيجةً لتباين المصالح الوطنية ، إذ تُشكّل سياسات ترامب التجارية "أميركا أولاً" تحدياتٍ للاقتصادات الأوروبية ، و بخاصةً لتلك التي تربطها علاقات تجارية وثيقة بالولايات المتحدة .. و مع استمرار تطور المشهدين السياسيين الأميركي و الأوروبي ، يظل مستقبل هذه العلاقة موضوعاً للمراقبة ، ذلك أنها يمكن أن تكون الشكل الذي سيستقر عليه التحالف الغربي بعد ذلك .