خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( أمريكا و الحوثيين صراع أم لعبة الموت …!؟)


على عكس المتوقع ، استمرت عمليات الحوثي و ركزت على إطلاق صواريخها صوب المدن الفلسطينية المحتلة ، و لم يقم ترامب بمهاجمة إيران كما تعهد ..
فجاء خامنئي بوضع ترامب أمام اختيار أيضاً : التفاوض غير المباشر أو لعبة الموت ..
فعندما ذهبت إدارة البيت الأبيض إلى مهاجمة جماعة الحوثي اليمنية (أنصار الله) بشكل مباشر ، فهي أرادت أن تبعث برسالة عملية حول سياسة الرئيس دونالد ترامب القائمة على مبدأ "السلام عبر القوة"، إلى قادة طهران باحتمالية مواجهة المصير نفسه ، ولذلك خرجت تحذيرات من أن إيران قد تواجه "حرباً محدودة" في إطار السياسة التي يفرضها عليها ( التفاوض أو العمل العسكري ) ، و هو ما بدأه بإعادة فرض سياسةِ "أقصى ضغط" من العقوبات حتى وصل إلى التلويح بالعمل العسكري ، مُحملاً طهران مسؤولية أي هجمات جديدة قد تُقدم عليها جماعة الحوثي التي تقف عند مدخل البحر الأحمر ..
لكن ، على عكس المتوقع ، استمرت عمليات الحوثي وركزت على إطلاق صواريخها صوب المدن الفلسطينية المحتلة ، و لم يقم ترامب بمهاجمة إيران كما تعهد، بل كتب على موقعه "تروث سوشيال": "هناك تقارير تفيد بأن طهران قللت من دعمها العسكري للحوثي!"..
و يبدو أن ترامب يحافظ على مهلة الشهرين التي منحها لطهران في رسالته التي بعثها إلى مرشدها الأعلى ، بحيث يحافظ على استراتيجته المزدوجة أن تبقى إيران تحت تهديد "ظل الحرب" و في الوقت ذاته تظل فكرة التفاوض مطروحة أمامها! ..
و في ذلك الإطار ، تأتي زيارة الوفد الإسرائيلي لواشنطن هذا الأسبوع ، و إن كانت لا تتعلق بقضية إيران وحدها ، بل بالنقاش حول قضايا الشرق الأوسط أيضاً ، فقد حذر المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ، من خسارة كل شئ إذا ما تم التمادي في سياسة "القوة" بدلًا من "التفاوض"، و ذلك بعدما عادت إسرائيل إلى شن هجماتها على قطاع غزة .. و كذلك أكد الرجل الذي يحمل الجانب العقلاني في إدارة ترامب ، أن من المنطقي حل القضية مع إيران ديبلوماسياً ..
حيث وقف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، أمام شاشة التلفزيون عشية الاحتفال برأس السنة الشمسية الجديدة (نوروز)، ليكشف عن طبيعة السياسة التي تنتهجها بلاده حيال التعامل مع القوى الغربية تحت مبدأ "خفض التكلفة" ، و المقصود خفض الخسارة أو تجنب المواجهة العسكرية ، و لذلك إن كانت إيران ترفض المفاوضات مع أميركا تحت وطأة العقوبات أو التهديدات العسكرية ، لكنها لا ترفض مبدأها ولا ترحب بالحرب ! ..
فقد حملت تصريحات الوزير الإيراني مؤشراً إيجابياً مع نوعٍ من المناورة ، و هو الانتقال من رفض التفاوض المباشر مع إدارة ترامب ، إلى الانتقال إلى التفاوض غير المباشر ، فقد قال : "تحمل رسالة ترامب مزيجاً من التهديدات و الفرص ... في كل تهديد تكمن فرصة ... لن تكون هناك مفاوضات مباشرة تحت ضغط ... نحن مستعدون لأي مواجهة ، لكننا لا نختار الحرب ... فالتفاوض غير المباشر ليس طريقة غريبة و قد حدثت مراراً و تكرارا عبر التاريخ".. و على ذلك يمكن النظر إلى زيارة عراقجي لسلطنة عمان عقب وصول رسالة ترامب ، على أن طهران وجدت في التفاوض غير المباشر مخرجاً للتعاطي مع دعواته المتكررة الى الحوار معها ..
كذلك، يتضح أن هناك توافقاً بين الخارجية الإيرانية و بيت القيادة ، فرؤية المرشد الأعلى لا ترفض مبدأ المفاوضات ، و لكن يجب ألا تكون تحت ضغط ، و إلا ستنزلق إيران في منحدر من التنازلات .. و يبدو أن طهران تفهم أهداف ترامب بشكل جيد ، فهو يسعى إلى تحقيق سياساته في منطقة الشرق الأوسط من دون التورط في حرب كبرى ، إذ أن أهدافه الكبرى تتعلق بالصين ، و هي سبب استعجاله .. و لذلك عندما هدد خامنئي : بقوله "إذا هاجمتنا أميركا ، فستتلقى صفعة قاسية ، و لسنا بحاجة لوكلاء"، فهو يشير إلى "لعبة الموت" التي لا يتمناها أحد ، فإيران ستعاني من خسائر فادحة إذا دخلت في حرب ، و أميركا أيضاً قد تستنفد قوتها في المنطقة بدلاً من التوجه نحو هدفها وهي في ذروة قوتها!.