الأحد 20 أبريل 2025 03:23 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( ماهو السلام الذي تريده إسرائيل..!؟ )

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

لا تريد إسرائيل سلاماً مع الفلسطينيين ، فقد انتهى النقاش في هذا الموضوع داخل النظام الإسرائيلي بمتطرفيه و معتدليه ، الجميع هناك يعتبرون أن إسرائيل خرجت منتصرة من أطول حرب تخوضها وأعنفها منذ إنشائها ..

و تؤكد الحرب الإسرائيلية المتجددة على غزة و على الضفة الغربية أن السلام بين إسرائيل و الفلسطينيين طار في مهب الريح ، و أن لا اتفاقيات أوسلو و لا مبادرات السلام العربية و لا حل الدولتين ، و لا حتى صفقة القرن الترامبية ، عادت مطروحة على الطاولة الإسرائيلية .. كل ذلك تخطاه الزمن بعد الزلازل العسكرية و السياسية في المنطقة و العالم .. فقد انتهى زمن الحلول السياسية و الديبلوماسية للقضية الفلسطينية ، و باتت الحرب هي الوسيلة الوحيدة التي تتقنها إسرائيل لفرض رؤيتها وحدها لحل القضية ..
كانت إسرائيل تنتظر عملية "طوفان الأقصى"، و ربما تكون سهلتها ، أو دفعت في اتجاهها ، ليست دقيقة نظرية أن إسرائيل تتمسك بحياة كل جندي لديها ، أو بحياة أي يهودي ، فالحكومات الإسرائيلية و قبلها المنظمات الصهيونية كانت تضع مصلحة "الدولة" دائماً قبل الحفاظ على الأرواح .. فحكومة بنيامين نتنياهو مثال صارخ على عودة إسرائيل إلى نموذج الـ1948، عام طرد الفلسطينيين من أرضهم .. نتنياهو هذا و أطراف حكومته اليمينية ، لا يهتمون بعودة أسراهم من أنفاق "حماس" في غزة بقدر إصرارهم على استغلال الفرصة لإنهاء المقاومة الفلسطينة ، مسلحة كانت أو مدنية ..

لا تريد إسرائيل سلاماً مع الفلسطينيين ، انتهى النقاش في هذا الموضوع داخل النظام الإسرائيلي بمتطرفيه ومعتدليه ، الجميع هناك يعتبرون أن إسرائيل خرجت منتصرة من أطول حرب تخوضها وأعنفها منذ إنشائها ، و أن الفرصة مواتية لإنهاء القضية ، و أن مهلة الأربع سنوات - مدة ولاية دونالد ترامب في الرئاسة الاميركية - كافية لفرض التصور الإسرائيلي بالقوة التي فرضت هيمنتها ، من لبنان و سوريا إلى إيران ، بعد تدمير غزة و بدأت حملة ممنهجة على الضفة الغربية التي تديرها شكلياً سلطة فلسطينة مهلهلة بموجب إتفاق أوسلو الذي مزقته إسرائيل ومسحت به الأرض ..

لا يمكن مقارنة معاناة أي شعب بمعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ 77 عاماً عندما تواطأ العالم كله على طرده من أرضه و وهبها لشعب آخر تم تجميع شتاته من كل أنحاء العالم ، في ما عرف بحل المسألة اليهودية .. كان العالم يعرف أن في فلسطين شعباً يملكها منذ آلاف السنين و أنشأ فيها دولة كانت الأكثر تطوراً و عمراناً في الشرق الاوسط كله .. دولة بشعب و مؤسسات و اقتصاد نام ، و أن حجة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض لم تكن أكثر من كذبة مخادعة للرأي العام العالمي ..
خلال نحو قرن من الزمن ، عاشت شعوب كثيرة أهوالاً و شهدت بلدان عديدة مجازر و مجاعات و حروباً خارجية و أهلية ، كانت الحرب العالمية الثانية أكثرها وحشية و دموية .. ثم كانت المجازر التي خلفت ملايين الضحايا في حرب التحرير الجزائرية ، و في ظل النظام الشيوعي في كمبوديا ، و في بنغلادش و في البوسنة و الهرسك ، و في الكونغو الديموقراطية ، و في رواندا و بوروندي ، و في الصومال والسودان و أوغندا ، و في ميانمار ، و في العراق أثناء الغزو الاميركي و بعده ، و في سوريا و في أقاليم و بلدان أخرى .. مجازر و حروب ارتكبت لأسباب دينية أو عرقية أو توسعية أو حدودية أو عقائدية حزبية ..

كل هذه الحروب و المجازر توقفت ، أو أوقفت بالقوة ، و غالباً ما وجد الضحايا من يدافع عنهم بالسياسة و بالقوة إذا لزم الأمر ، كما حصل عندما تدخل حلف شمال الاطلسي لوقف مجازر سربرينيتسا في البوسنة ، مثلاُ .. صحيح أن بعضها أوقع ملايين الضحايا ، لكنها انتهت و استأنفت هذه البلدان و الشعوب حياتها الطبيعية .. الا المجزرة بحق الفلسطينيين لا تنتهي و لا تتوقف منذ عام 1948 ..

فالفلسطينيون في بلدهم ضحايا دائمون للظلم و للعنصرية و الوحشية و للمجزرة في نظام فصل عنصري وحيد في العالم حتى الآن .. إذا تنفسوا يقتلون و إذا جاعوا يقتلون و إذا احتجوا يقتلون و إذا تسلحوا يقتلون وإذا ثاروا و انتفضوا يقتلون .. حتى لو لم يفعلوا شيئاً يقتلون ..
يجد الفلسطينيون أنفسهم الآن أمام نكبة كارثية جديدة ، سبعة و سبعون عاماً من النضال السياسي و العسكري و عشرات آلاف الضحايا و كأن شيئا لم يحدث ، تعيدهم إسرائيل و في ظروف مشابهة إلى النكبة الأولى و إلى هزيمة الـ 67 .. و لن يمنع العالم تهجير مليوني غزاوي و إعادة احتلال الضفة الغربية و ضمها إلى "أراضي إسرائيل" و لما لا توسيع حدود الدولة على حساب لبنان و سوريا ..
انه المشهد الأكثر قتامة من النكبة الأولى .