د. كمال يونس يكتب : إبهام وإيهام المصطلحات المسرحية وغموضها..مسرح اللا توقع الحركى القصير


التجريب عملية دؤوبة مستمرة في مختلف المناحي والفنون ، يتعامل معه المسرح مع كل قلم يخط نصا مسرحيا ومع كل مخرج أو مصمم لعنصر من عناصر إبداع فن تشكيل الصورة المسرحية ( السينوغرافيا) صوامتها ونواطقها وحركاتها ، أو سمعياتها بصرياتها حركاتها ، وكلها تتم كتلبية لغريزة الاستكشاف والتجريب الإنساني الفني والإجابة على سؤال لم لا ؟، وهدفها الأسمى إبداع منظومة تصل برسائل المسرح واضحها ومضمرها إلى عقل ولب وجدان الجمهور ، ولكننا في الوطن العربي وقد ترسخت لدينا تبعية الغرب نظرا لنشأة المسرح الغربية ، ولم نفلح في التأكيد على عمق التجربة المسرحية العربية إذ أن الجاثمين على سدة المشهد بطريقة كلامهم واتجاهاتهم وشبقهم وولعهم وتلهفهم للتجارب المسرحية الغربية باعدوا الشقة بين المسرح وجمهوره ، فلا غرو أن يهجر المسارح التي خفت بريق توهجها ، بعدما اتخذوا من التجريب معاول هدم انكبوا بكل رعونة وشطط هدما لأساساته وأعمدته غير مبالين بالجمهور متعالين عليه ، ليفجعونا بين الحين والآخر بعروض مبهمة سخيفة ، ونظريات أو حركات همايونية هلامية زئبقية ليقع المسرح ليس أسيرا للنخبة من المسرحيين بل لنخبة النخبة منهم أعجميي الأفكار والألسنة ، الذين أصابهم التشظي الفكري والهلفطة التنظيرية . فيلقون بين الحين والآخر عروضا مهترئة تحت راياتهم الفاقعة الاتجاهات الهدامة ، يروجون لها يعطونها الجوائز من خلال سيل مهرجاناتهم العبثية ، يكرمون القائمين عليها، يؤلفون الكتب لها ، يكتبون لها المقدمات الطوال ، والمقالات العصماء لشرح تلك المتاهات التنظيرية .
طالعت مؤخرا تعبير أو مصطلح مسرح اللا توقع الحركي القصير وكيف أن هذا المسرح هدفه تنمية وترقية ذائقة وصنع المتلقي الذكي ، ولم تسعفني معاجم اللغة ولا المصطلحات المسرحية حتى وجدت بعض المقالات التي تحتفي بالمصطلح وتحاول تأطيره وتنظيره ومنها وصفه التجربة بأن صاحبها يحاول تأطير أورجانون (آلة أو أداة للوصول للعلم أو الصواب)، (مسرح اللاتوقع الحركي القصير) مسرح إيحائي؛ يضمر أكثر مما يعلن؛ ويومئ أكثر مما يوضح، ويوحي أكثر مما يشخص، يعتمد حواره على اللغة التلغرافية؛ والإضاءات الخاطفة؛ مما يقر بلغة هذا المسرح من لغة الدراما التعبيرية التي يمكنها أن تستوعب الهذيانات الطويلة والعبارات المبتورة والكلمات المقطعة على حد سواء.
حتى أشار أحد الباحثين بدقة وتمعن إلى أن هذا النوع من المسرح يتميز بالنقاط الآتية:
١- الحدث فيه لا ينمو ولا يتطور بل يتكرر ويعود مرة أخرى وبشكل دائري الى نقطة الانطلاق وهذا ما اعتمده كثير من المؤلفين العالميين وخصوصا كُتاب مسرح "اللامعقول".
٢- الشخصيات.. قد تكون عبارة عن أفكار تتشظى في فضاء العرض، تدور اهتماماتها حول الانسان واحساسه بالقلق نحو الوجود ومعاناتها من ضياع المعنى والهدف، فالشخصيات قلقة ليس لها خط أساس وهدف أعلى كما في المسرح "الأرسطي".
٣- الحبكة في "مسرح اللاتوقع الحركي القصير" مفككة، تهمل كل العناصر المنطقية في البناء الدرامي من "عقدة وتطور وحل".
٤- غالبا ما تكون دوافع الفعل مفقودة والتصرف غير مبرر.
٥- نرى أن الشخصيات غير ثابتة الملامح تتغير مع تغير الفكرة المشتعلة، ونلاحظ أيضا ان هناك حالة تحول وتبدل وتبادل ايضا في الأدوار، أي لا توجد ابعاد ثابتة للشخصيات.
٦- الصورة فيه لا مقابل حرفياً لها في الواقع، فيما الأجواء تقترب من الملحمية.
٧- اعتماده على المتناقضات بين القول والفعل والهزل والمأساة.
ولا أرى في هذا المصطلح ما يستدعي التأطير أو التنظير بل هو امتداد وأبلغ وصف لما نعيشه من ترد للمسرح وأفول نجمه واختطافه من قبل النخبة ونخبة النخبة والطفيليين ممن يترزقون منه ، ومن مهرجاناته صفرية المردود ، ومضيعة للجهد والوقت وعدم بذل الجهود الحسيسة الواعية لمصالحة الجمهور أو ماتبقى منهم ، والحفاظ على بريق الفن الخالد الذي بهتت أنواره وانحسرت إشعاعاته .