الأحد 13 يوليو 2025 01:59 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. نهال أحمد يوسف تكتب : عفواً عزيزتي منى!

 د. نهال أحمد يوسف
د. نهال أحمد يوسف

تُعد المصداقية حجر الزاوية في العمل الإعلامي، فهي الأساس الذي تبنى عليه ثقة الجمهور في وسائل الإعلام بوصفه مصدراً للمعلومة والحقيقة. وفي الآونة الأخيرة، تزايدت النقاشات حول تآكل هذه المصداقية، لا سيما في ظل انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. وتُعد الواقعة الأخيرة المتعلقة بادعاء الفنانة مها الصغير رسم لوحات فنية أثناء ظهورها في برنامج "معكم منى الشاذلي" التلفزيونية، وما تلاها من رد فعل من مقدمة البرنامج، مثالاً بارزاً يستدعي التساؤل حول مفهوم المهنية الإعلامية.
إن جوهر المهنية الإعلامية يكمن في الالتزام بالدقة، والموضوعية، والتحقق من الحقائق قبل نشرها أو عرضها على الجمهور. فالمؤسسات الإعلامية ليست مجرد منصات لنقل الأقوال، بل هي حراس للبوابة المعلوماتية، ومسؤوليتها الأولى هي التأكد من صحة المحتوى الذي تقدمه. في حالة ادعاء مها الصغير، كان أبسط مبادئ المهنية يقتضي التحقق من مصدر هذه اللوحات. إن ملاحظة بسيطة لعدم وجود خط فني موحد للوحات كان كفيلاً بإثارة الشكوك، فضلاً عن أن وسائل التحقق من الحقائق أصبحت متاحة بسهولة بضغطة زر في عصرنا الرقمي. إن عدم قيام فريق البرنامج بهذا التحقق الأساسي يمثل إخفاقاً مهنياً جسيماً.
كذلك التمييز الذي طرحته مقدمة البرنامج بين أنواع الضيوف – شخصيات عامة يُترك العهدة عليهم فيما يقولون، وخبراء أو أصحاب إنجازات يتطلب التحقق من مهنيتهم – هو تمييز غير دقيق في سياق المسؤولية الإعلامية عن المعلومة. فبغض النظر عن صفة الضيف، فإن أي معلومة أو ادعاء يُقدم على منصة إعلامية جماهيرية يكتسب شرعية ومصداقية من هذه المنصة ذاتها. وبالتالي، تقع مسؤولية التحقق على عاتق البرنامج وفريقه التحريري. إن الإفلات من هذه المسؤولية بحجة أن الضيف "شخصية عامة" يُعد تبريراً غير مقبول لتقصير مهني. فالإعلام هو مصدر الخبر والحقيقة، وأي خطأ يصدر عنه يكون تأثيره أعمق وأوسع من خطأ فردي.
إن ما قُدم على أنه "مهنية" في التعامل مع تداعيات الأزمة، والمتمثل في التواصل مع الفنانين المتضررين وعدم الخوض في الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي، هو في حقيقته أقرب إلى إدارة الأزمات أو "التحكم في الضرر" (Damage Control) منه إلى المهنية الإعلامية الحقيقية. فلو كانت المهنية هي المحرك الأساسي، لكان الاعتذار العلني والصريح للجمهور المصري عن عدم التحقق هو الخطوة الأولى والأكثر أهمية. فالجمهور، الذي يثق في الإعلام كمصدر للمعلومة، يستحق الشفافية والاعتراف بالخطأ. إن التركيز على التواصل مع الفنانين وتوضيح موقف البرنامج لهم، مع إغفال حق الجمهور في معرفة الحقيقة والاعتذار له، يُظهر خللاً في فهم أولويات المسؤولية الإعلامية.
وفي النهاية، بينما لا يختلف اثنان على أن ادعاء مها الصغير كان خطأً لا يمكن تبريره، فإن رد فعل البرنامج ومقدمته كان خطأً أكبر وأكثر خطورة. فالمؤسسة الإعلامية ليست مجرد ناقل للأصوات، بل هي صانع للوعي ومرسخ للحقائق. إن محاولة تبرير التقصير المهني بحديث مطول عن "المهنية والأخلاق" مع تجاهل المبدأ الأساسي للتحقق، لا يُعد مهنية إعلامية، بل هو إخفاق في الدور الأساسي للإعلام كمصدر موثوق للمعلومة. إن احترام الجمهور يبدأ من تقديم الحقيقة كاملة والاعتراف بالخطأ بشفافية، وهو ما كان سيُعزز المصداقية بدلاً من أن يزيد من أزمة الثقة القائمة.

د. نهال أحمد يوسف عفواً عزيزتي منى! الجارديان المصرية