السجن المشدد لـ 17 متهماً في ”رشوة الجمارك الجديدة” بتهمة الاستيلاء على أكثر من 10 ملايين جنيه


في حكم رادع يهدف إلى مكافحة الفساد المالي والإداري في المؤسسات الحيوية، أصدرت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة في التجمع الخامس، حكماً بالسجن المشدد تراوحت مدته بين 10 و15 عاماً بحق 17 متهماً في القضية المعروفة إعلامياً بـ"رشوة الجمارك الجديدة". وشملت الإدانات اتهامات تتعلق بالرشوة والاستيلاء على أموال عامة قدرت بأكثر من عشرة ملايين جنيه مصري.
وقضت المحكمة، برئاسة المستشار محمود السيد الكحكي وعضوية المستشارين أسامة محمد علي وعبدالعظيم صادق خليفه وخالد عبدالرحمن سالم، بمعاقبة 16 متهماً بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً، فيما قضت بمعاقبة متهم آخر بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وذلك في تأكيد على خطورة الجرائم المرتكبة التي مست بأمن واقتصاد الدولة.
شبكة فساد استهدفت المال العام
تعود تفاصيل القضية إلى قرار النيابة العامة بإحالة المتهمين السبعة عشر إلى المحاكمة الجنائية، والذين شغلوا مناصب حساسة مكنتهم من تنفيذ مخططهم الإجرامي. وتضمنت قائمة المتهمين مسؤولين رفيعي المستوى وموظفين عموميين، أبرزهم مدير عام الأسواق الحرة بقطاع جمارك القاهرة، وسبعة من مأموري الجمارك الذين يُناط بهم مسؤولية فحص وتخليص البضائع.
كما شملت الشبكة متهمين من القطاع الخاص سهلوا الجريمة، من بينهم وكيل فرع بأحد شركات الاستيراد والتصدير البارزة، ومدير فرع، ومراجع حسابات، وأخصائية شؤون مالية، إضافة إلى صاحب مؤسسة للمقاولات وآخرين.
ويُظهر هذا التنوع في صفوف المتهمين مدى التغلغل الذي وصلت إليه شبكة الفساد، حيث عملت على إفساد النظام الجمركي بالكامل لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
الرشوة مقابل تهريب ممنوعات جمركياً
كشفت التحقيقات أن المتهمين قاموا بالاستيلاء على مبلغ إجمالي قدره 10 ملايين و791 ألفاً و700 جنيه، وتم ذلك على سبيل الرشوة. وكان المقابل الذي حصل عليه الموظفون العموميون هو تسهيل إعطاء بضائع معينة، تحديداً الخمور والسجائر، دون سداد الضرائب والرسوم الجمركية المقررة عليها بشكل كامل. وقد مكن هذا الإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة العمومية المتهمين من القطاع الخاص من الاستيلاء على هذه البضائع لصالحهم، مما ألحق ضرراً فادحاً بالخزانة العامة للدولة.
وتُعد هذه القضية مثالاً على الجرائم الاقتصادية المركبة، التي لا تقتصر على مجرد تقديم أو قبول الرشوة، بل تتجاوز ذلك لتشمل تهمة الاستيلاء على المال العام، مما يفسر الأحكام الصارمة التي أصدرتها المحكمة.
التشديد على مكافحة الفساد
وتأتي هذه الأحكام متوافقة مع نصوص قانون العقوبات المصري التي تتناول جرائم الرشوة، وتشدد على عقوبات الموظفين العموميين الذين يطلبون أو يقبلون وعوداً أو عطايا لأداء عمل من أعمال وظيفتهم أو الإخلال بواجباتها. فالمادة 103 من القانون تنص على معاقبة المرتشي بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أُعطي أو وُعد به. كما تتضمن المواد من 103 حتى 111 عقوبات رادعة تهدف إلى حماية الوظيفة العامة من سوء الاستغلال.
ويمثل قرار محكمة الجنايات في قضية "رشوة الجمارك الجديدة" تأكيداً على التزام الدولة المصرية بمكافحة الفساد الإداري والمالي وتطهير مؤسساتها من أي عناصر تستغل مناصبها لتحقيق إثراء غير مشروع، وهو ما يُرسل رسالة واضحة بضرورة النزاهة والشفافية في التعامل مع المال العام وحقوق الدولة.