الخميس 20 نوفمبر 2025 01:37 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتبة السورية لمى بدران تكتب : أيقظوا الطفولة قبل فوات الأوان..

الكاتبة السورية لمى بدران
الكاتبة السورية لمى بدران

لم يسعني أن أنادي في هذا اليوم تحديداً إلا أن "أيقظوا الطفولة" على أمل أنها لم تمت بعد، لعلّنا نستطيع مسحَ وجوه أطفالنا لإيقاظهم بلمسات من اللطف واللين والمحبة التي تساهم في تشافيهم مما أصابهم خلال سنوات الصراع المريرة في مناطقنا النامية، وفي زمن شهدوا فيه ما شهدوه من العنف والتهجير والدمار الذي يهزّ الجبال، فكيف لا يهزّ طفولتهم الصغيرة؟! نعم دعونا نتخيّل أنها هزّاتٍ شديدة كي يناموا ولا يشاهدون شيئاً ولا يكبرون على شيء، لذلك وفي أدنى اعتبار أقول اليوم بمناسبة (يوم الطفل العالمي/٢٠-١١-٢٠٢٥): إن مسؤوليتنا تتعاظم و نحن نمتلك فرصة إيقاظهم والوقوف مع قضاياهم الحسّاسة وظواهرهم المتزايدة قبل أن يدخلوا في حالات مستعصية لا يمكن التحكّم بها أو علاجها.
إن أهم الحقوق بالنسبة لملايين الأطفال خصوصاً أولئك الذين يعانون من تأثيرات الحروب عليهم ليست تلك التي تكون حبراً على الورق فقط، بل هي تلك التي تفضي إلى انتشالهم من وقع الصدمات والاضطرابات وما بعدهما، فالدراسات النفسية الأخيرة حسب الأمم المتحدة أظهرت أن نسبة انتشار الاضطرابات الشبيهة "باضطراب ما بعد الصدمة" بين الأطفال المتعرضين لنزاعات قد تصل إلى حوالي 20–30% أو أكثر في عينات معينة، مع اختلافات بحسب العمر ونوع التعرض. هذا يؤكد أن الآثار النفسية ليست مؤقتة بل قد تلاحق الطفل سنوات طويلة، وفي هذه السنوات قد ينسى تماماً أنه كيان يستطيع العيش بشكل طبيعي مثله مثل أي طفل في أماكن أخرى أكثر أماناً واستقراراً حول العالم.
وهنا لا بد لنا من أن نضع يدنا على الجرح المتمثل في هذه المرحلة حسبما نلاحظ عند أغلب الحالات في الواقع، وهو أن الأطفال يعانون فعلا من ا"ضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) "والذي هو رد فعل نفسي طويل الأجل لصدمات قوية، مثل العنف أو الحروب أو الأحداث التي تهدّد الحياة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك تقييم حديث (من منظمة محلية) وجدَ أن 96% من أطفال غزة يشعرون أن موتهم وشيك، و79% لديهم كوابيس، و73% يظهرون سلوك عدواني، وفي دراسة بيولوجية على لاجئين سوريين (أطفال ومراهقين) في لبنان: وجدوا تغيّرات في مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) مرتبطة بتجربة الحرب وأعراض PTSD. ولا يتوقف الأمر هنا بكل تأكيد بل يشمل دول عديدة يتعرض الأطفال فيها لأمراض نفسية متعددة قد تكون أشد خطورة، ولانتشار ظواهر اجتماعية كثيرة تهشّم الطفولة والأطفال. إذاً من المهم أن نجمع أفكارنا البنّاءة كلٌّ بدوره لتقديمها بما يخدم أطفال اليوم الذين هم أمانة مضاعفة في أعناقنا، لذلك أردتُ الإشارة إلى "اضطراب ما بعد الصدمة" الذي أصبح شائعاً وملحوظاً، وأصبحت هناك حاجة ملحّة لفهمه والتعامل معه لإنقاذ أطفالنا منه، دون أن نغفل جوانب ٱساسية أخرى عديدة كالتركيز على التعليم والتربية والصحة النفسية، مع محاربة العمالة والتسول والتشرّد والتجنيد وإلى ما هنالك من ظواهر تمسّ حقوق الطفل وتنتهك وجوده.
في هذا اليوم لا أستطيع أن أتحدث لكم عن الأطفال كقوة مستقبلية طاغية وفاعلة، بل كفئة تهشّمت في العديد من البلدان حول العالم، وتحتاج الدعم والمتابعة والجهود الاستثنائية من كل الأطراف وأعلاها منظمات حقوق الطفل، ولأن الأمم المتحدة اختارت هذا التاريخ كعيد لهم لكونه يوافق:اعتماد إعلان حقوق الطفل عام 1959.واعتماد اتفاقية حقوق الطفل عام 1989. فأين نحن أمام حقوقهم؟ هل الأطفال في عهدة الحماية وصون الحقوق؟! أم ضحايا المجتمعات العاجزة؟ ووقود تلك السياسات التي لا تفكر بهم بل تقتل طفولتهم من أجل مستقبل أكثر أماناً لتقدّمها وتراجعهم في ٱوطانهم ومجتمعاتهم.
أخيراً أستطيع أن ٱقول أن الأطفال في هذه الحياة هم الحكاية.. الحكاية كلّها…تلك التي نخجل أن نرويها كاملة لأنها قد تفضح تقصيرنا، وصمتنا، ومواقفنا التي طالها الصدأ. في يوم الطفل العالمي، دعونا لا نكتفي بسباقات التضامن الكلامي... لنجعل الاحتفال بمثابة صوت واعي يصرخ الالتزام الملموس من خلال تفعيل أدوارنا الفردية ثم المجتمعية والحكومية وهي أدوار مرتبطة مع بعضها بشكل وثيق، وقادرة على مواجهة الآفات التي تستهدف الأطفال. أنقذوا طفلا اليوم، وستنقذون بلاداً غداً، وأيقظوا أطفال هذا الزمن، ليجلبوا لنا صحوة الزمن القادم.

الكاتبة السورية لمى بدران أيقظوا الطفولة قبل فوات الأوان الجارديان المصرية