الخميس 25 أبريل 2024 10:45 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور حمدى الجابرى يكتب : قصر عابدين .. تانى ..

الدكتور حمدى الجابرى
الدكتور حمدى الجابرى

لاشك أن غياب الدراسة والتخطيط المسبق لأى شيىء يجعل تحقيقه متعثرا أو على الأقل يجعله متواضعا إن لم يكن مضرا بشكل ما حتى لصناعه والداعين له .. ومنه على سبيل المثال .. قصر عابدين المهدد بنقل متحف اليه وكأنه وهو المتحف الذى لا يقدر ونفائسه الفريدة .. ناقصه متحف .. وبالذات متحف قديم قائم وصل انهياره الى حد المطالبة بنقله الى قصر عابدين حتى دون النظر فى أسباب تدنيه وانهياره وصناعه وماصرف عليه من ملايين ..

ثم ما ومن الذى يضمن ألا تتنقل الفيروسات التى أدت الى سوء حاله معه الى قصر عابدين ؟

ثم أليس من الأنسب والأفضل معالجة أسباب مرضه فى مكانه الطبيعى القائم حاليا أم أن نقله (بعبله) أو حتى بدونه سيغطى على كل مراحل الإهمال والتدنى وسوء الإدارة فى مختلف العهود والأنظمة والحكومات والوزارات ..

ثم ما ذنب النظام الحالى فى تحمل كل هذه النتائج التى لم يشارك فى صنعها وان كنت لا أظن أنه ربما يكون المطلوب (توريطه ) و (ماحدش أحسن من حد) !

1-

سبق أن ذكرنا مبنى المحافظة ومبنى الاتحاد الاشتراكى القديم وكل منهما من لواحق قصر عابدين وأمامه تماما أى فى نطاق حرمه الذى لم يعد يحترم وكل منهما يصلح تماما لنقل المتحف وأى متحف يراد نقله الى قصر عابدين ، وكل منهما يكتسب نفس الأهمية التاريخية حتى ولو تم العبث به وإهماله كما حدث لكثير من المبانى التاريخية مثل قصر اسماعيل المفتش بالمنيرة الذى كانت تحتله وحدة نقل وزارة المالية بسائقيها وبوفيهاتهم ومواقد نيرانهم التى (هببت) الحوائط والنقوش ولا أظن أنه تم تحريره منهم ومنها حتى بعد إتمام مراحل ترميمه بالملايين منذ عدة سنوات ..

أظن أنه يمكن نقل المتاحف المتعثرة الى هذين المكانين بعد تحريرهما من المحافظة ولواحقها ولو بنقلهم الى أماكن سيتم التخلص منها بعد نقل ما ومن فيها الى العاصمة الادارية الجديدة أو، وهذا أجدى أيضا ،ربما يكون من الممكن نقل هذه المتاحف الى نفس العاصمة الادارية الجديدة خاصة وأن بها مدينة كاملة للثقافة والفنون لا أتمنى أن يكون مصيرها نفس مصير الثقافة والفنون .. الحالى .. وكلها حلول ممكنة بل وربما تكون مطلوبة وأحيانا ضرورية لإقامة جديد يحترم ويقدر لا للتغطية على .. فشل متحقق قديم !

2-

من واقع تجربة عملية قديمة .. ليس صحيحا ما يشاع عن أن الرئاسة تفعل ما بدا لها فى كل وقت .. أو على الأقل ليس صحيحا تفريط الرئاسة قديما فى آثار مصر ونفائس ومقتنيات قصر عابدين .. ونستكمل للتأكيد .. من واقع تجربة عملية ..

فى المقال السابق عن نقل المتحف الى قصر عابدين ذكرت إستغاثتى بالوزير فاروق حسنى لطلب إنقاذ متحف المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية من طلب رئاسة الجمهورية بعض الآلات الموسيقية من مقتنياته ليقدمها الرئيس مبارك لبعض القادة العرب فى زيارته لهم .. وتوقفت عند مغادرة البيت القديم للوزير فى المعادى وتركه بمفردة فى مصيبة (سقوط كتف أبو الهول) وأنا أردد لنفسى (من شاف بلاوى الوزير هانت عليه بلوته) ، وبالطبع كانت ليلة سودة بعيد عنكم .. فى الصباح التالى من النجمة طلبت الأستاذ محمد عزب مدير عام المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية وهو خريج قديم من قسم النقد والأدب المسرحى فى المعهد وشرحت له بسرعة المطلوب والورطة التى وقعت على رأسى واتفقنا على اللقاء فى الثامنة صباحا فى مكتبى فى معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس لنجد حلا قبل ذهابنا الى قصر عابدي لمقابلة أشرف بكير وناصر الأنصارى وربما غيرهما أيضا من أمناء رئاسة الجمهورية فى تمام الساعة الثانية عشر ..

فى الوقت المحدد كنا هناك .. الأستاذ محمد عزب يحمل سركى ضخم واستمارات نقل عهدة رقمها على ما أتذكر 111 بينما أحمل أحد كنوز متحف المركز .. عود الأمير يوسف كمال .. النادر .. ووضعته بمفرده على كنبة رئاسية وسط دهشة الأمناء لفرط حرصنا على العود التى زادت كثيرا عند علمهما بأن السركى واستمارات نقل العهدة هى الإجراء الوحيد لتسليمهما العود التاريخى وأننى لا أرضى أن يقال عن الرئيس مبارك ماقيل عن الرئيس السادات عندما أهدى تمثال صغير لإيزيس وللأمم المتحدة وليس لزعماء عرب .. كانت المفاجأة .. من الذى قال إننا نريد استلام أحد مقتنيات المتحف وعلى سركى واستمارات.. رجعه مكانه عندك .. إحنا عندنا فى القصر آلات موسيقية فى دولايب بنور خاصة ياريت تطلع تتفرج عليها وتختار منها ما يصلح كهدايا للرئيس فى الزيارة وهذه ليست مقتنيات متحفكم .. وعلى الفور طلبت من الأستاذ محمد عزب جمع الأوراق والسركى ووضع العود فى حضنه الى أن أعود من عمل المطلوب فى القصر .. فراش محترم ظننته فى البداية مديرا أو وزيرا قادنى الى الدورالأول حيث البايوهات العديدة التى تمتلىء بالآلات الموسيقية وتركنى لأختار براحتى .. هالنى مارأيته من تحف وسجاد وبعضه معلق على الحائط فى صالة طويلة فكرت أنه تم عمل الحائط من أجل هذه السجادة الهائلة الحجم .. أما الآلات الموسيقية فى الدواليب المغلقة فهى تاريخية بالفعل ولا تقل أهمية عن مقتنيات متحف المركز إن لم تتفوق على بعضها ومنها سلسلة لا مثيل لها من الكمان مختلف الأحجام (كمانجات صناعة ماركو) وأهل الموسيقى يعلمون أهمية صانعها ماركو وبالطبع ندرتها وأهميتها .. المهم .. شرحت لكل منهما أهمية هذه المقتنيات الملكية وضرورة الحفاظ عليها فى مكانها وكانت المفاجأة عدم اصرارهما على ذلك ومن الذى يتصور اننا يمكن أن نفرط فى شيىء بهذه الأهمية .. وانت عقدتها بدلا من أن تحلها لنا .. أبدا حضراتكم الحل بسيط وموجود إذا وافقتم .. موافقين .. ايه هو ؟ شارع محمد على به محلات للآلات الموسيقية من كل صنف ونوع قديم وحديث.. هات لنا عود وكمنجة وقانون .. كلها قديمة وطبعا يتم اصلاحها وفى حقائب حملها المعتادة بعد اصلاحها وتلميعها .. و .. جرى ومعى المايسترو عمار الذى كنت قد استعنت به كمستشار فنى لرئيس المركز لكى نتمكن من تحرير المبنى من المعهد الخاص فى الدور الأول والفرق الموسيقية التى تحتل الدور الأرضى .. ولم يقصر عمار بل وتحمس لإنجاز المطلوب على وجه السرعة عندما أخذنى الى محل فى شارع محمد على اسمه (ماركو للآلات الموسيقية ) وحصلنا على المطلوب .. عود وكمان وقانون .. وفى إنتظار تنظيفها وتلميعها وحقائبها ذهبت الى البيت لإحضار ثمنها وتم استلامها .. وسعد الأمناء بها .. لكن مطلوب شهادات انها تخص فلان وعلان من الفنانين المشهورين .. ياسلام فورا .. ياأستاذ محمد هات لى فى قصر عابدين شهادات للآلات ومختومة بختم النسر .. وهات لى بالمرة ختم شعار الجمهورية الخاص بى كرئيس للمركز للظروف .. و.. كان إعجاب السادة الأمناء كبيرا وصل الى حد إكرامهما لى بدعوتى للتعرف على القصر من الداخل ومكوناته .. ورأيت مايفوق الأحلام فى القاعات والأثاث والتابلوهات والأهم .. المسرح .. الملكى الذى لا نظير له .. وانتهت الرحلة بالشكر والتقدير

3-

خرجت من القصر سعيدا بالنتيجة ولكن ليس لدرجة نسيان التفكير فى .. كيفية إستعادة ما دفعته ثمنا للآلات الموسيقية التى أخذتها الرئاسة .. وهو ما ذكرته للوزير فاروق حسنى عندما هاتفنى مهنئا بسلامة الأمر مع الشكر لحسن التصرف .. العفو يافندم ..المهم فلوسى حضرتك .. جمال حمزة سيصرفها لك أو الرئاسة .. لا تقلق .. وقلقت عندما مرت أسابيع ولم يحدث شيىء .. يامعالى الوزير فلوسى وأنا لست أغنى من الوزارة أو الرئاسة .. بعد أيام اتصال من مكتبه .. اذهب الى قصر عابدين الجزء الادارى عند الأستاذ فلان ومعك الفواتير .. و .. ذهبت اليه .. أنا فلان حضرتك .. وبدون اتفضل أو قهوة .. وببرود أو هدوء أيوه وأخرج ظرفا من درج مكتبه .. عدهم واتفضل امضى هنا .. وغادرت سعيدا بفلوسى وشكرت الوزير وكذلك استيائى من البرود والأهم .. يمكن الرئاسة زعلت يعنى .. وكالعادة ضحك الوزير.. والمهم .. سلامة مقتنيات المتحف .. عاوز ايه تانى ؟

يعنى .. من واقع التجربة .. هؤلاء الناس لم يخطر فى بالهم التفريط فى المقتنيات المتحفية وكذلك حرصهم على القصر ومقتنياته .. ولا أظن أن ما جاء بعدهم يمكن أن يفكر فى التفريط فيها أو فى القصر ولو بإستضافة متحف متعثر قائم حتما ولابد أن ينقل الى القصر عدوى .. فشله .. وإدارته التى إنتهت به الى مصيره الحالى وكأنه بدون مأوى فقط لعجز الوزارة وأجهزتها وبعد صرف الملايين عليه ، عن إعادة الحياة اليه فى مكانه .. التاريخى ..