|صحيفة The Times البريطانية| تحقيق صادم: مناجم الذهب في الكونغو.. محركات الفوضى وراء الحرب الدامية


في تقرير استقصائي شامل نشرته صحيفة **The Times**، كشف مراسلها من داخل منطقة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية عن شبكة معقدة من المليشيات المسلحة، والشركات متعددة الجنسيات، والمسؤولين الفاسدين، الذين يديرون ما وصفه التقرير بـ **"اقتصاد الدم"**، حيث يتم استغلال مناجم الذهب والمعادن النادرة مثل الكولتان، التي تدخل في صناعة الإلكترونيات، لتغذية الصراع المسلح الذي دخل عامه الثامن عشر دون حلول قريبة.
التقرير يوثق كيف أن **الذهب** - وليس فقط المعادن الصناعية - أصبح العملة الرئيسية للقتال، ويُستخدم كوسيلة للدفع للمقاتلين، وشراء السلاح، وتمويل عمليات الإبادة العرقية، وتبييض الأموال عبر شركات وهمية في أوروبا وأسيا.
وكان المراسل قد تمكن من الوصول إلى منطقة "إيتوري"، إحدى المناطق الأكثر اضطرابًا في البلاد، حيث تدور معارك يومية بين مليشيا "مادِري دييو" ومجموعة "CODECO"، وهما تنظيمان متعاربان يستخدمان العنف الوحشي ضد المدنيين. وبحسب الشهادات التي جمعها، فإن كلتا الجموعين تعتمدان على دخل مناجم الذهب غير القانونية المنتشرة في المنطقة.
> **"كل طلقة هنا تم شراؤها بثمن من ذهب"،** قال أحد المهربين المحليين الذي طلب عدم ذكر اسمه.
**كيف تتحول المناجم إلى آلات حرب؟**
في القرى القريبة من مناجم الذهب، يعيش السكان تحت رحمة القوة المسلحة الحاكمة، سواء كانت مليشيا أو جيشًا نظاميًا. فالمليشيات تفرض ضرائب على كل كيلوجرام من الذهب المستخرج، وتمنع أي شخص من البيع خارج شبكتها، بينما تسيطر عصابات محلية على النقاط التجارية، وتبيع الذهب عبر ممرات سرية تصل إلى أوغندا وجنوب السودان.
الذهب لا يتوقف عند حدود الكونغو، بل يصل إلى سوق دبي الحرة، ومن ثم إلى شركات تصنيع المجوهرات في الصين وإسرائيل وسويسرا، وفي كثير من الأحيان ينتهي به الأمر في ساعات يد فاخرة أو هواتف ذكية تحمل علامات تجارية مشهورة، دون أن يعرف المستهلك أن ثمنها قد يكون دماء مدنيين.
**استغلال الأطفال والعبيد الحديثين في المنجم:**
واحدة من أكثر المشاهد إيلامًا في التقرير كانت حول استخدام **أطفال دون سن الخامسة عشر** في العمل داخل المنجم، حيث يعملون لساعات طويلة دون حماية أو تأمين، ويحملون أكياسًا ثقيلة، ويحفرون بأدوات بدائية، ويعيشون في مخيمات عشوائية بدون طعام كافٍ أو ماء نظيف.
قال طفل يبلغ من العمر 12 عامًا، كان يعمل في حفرة عميقة بمساعدة زجاجة بلاستيكية مقطوعة لرفع التراب:
> **"لا أعرف كم مرة سقط أحدنا في الحفرة ولا يخرج منها. لكنني أعمل لأن أبي قُتل العام الماضي، وأمي تحتاج المال."**
**صمت دولي أمام كارثة إنسانية:**
رغم وجود تقارير متكررة من الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية عن استغلال الموارد الطبيعية في تمويل النزاعات المسلحة، إلا أن الدول الكبرى لم تتخذ خطوات جادة لوقف هذا التدفق غير المشروع من الذهب والمعادن، مما يسمح باستمرار تمويل الحروب باسم التجارة الحرة.
**الكونغو: أغنى دولة بالموارد، وأكثرها فقرًا بالإدارة:**
تُعتبر الكونغو ثاني أغنى دولة في العالم من حيث التنوع المعدني، إذ تحتوي على 70% من مخزون الكوبالت العالمي، وهو معدن أساسي في البطاريات الكهربائية، وكميات هائلة من الذهب والماس والزنك والنحاس، لكن رغم ذلك، يعيش أكثر من **80% من سكانها تحت خط الفقر**، وتشهد الخدمات الصحية والتعليمية انهيارًا كاملًا.
**ماذا بعد؟**
يطالب النشطاء المحليون والمنظمات الإنسانية بإنشاء نظام تتبع رقمي للذهب والمعادن النادرة، يشبه نظام "Kimberley Process" الخاص بالماس، ليضمن أن لا تدخل هذه المواد إلى الأسواق العالمية من بوابة الدماء والانتهاكات.
لكن في غياب إرادة سياسية حقيقية، تستمر **"مناجم الموت"** في توفير الوقود البشري والمالي للصراعات، في واحدة من أكثر المناطق ثراءً على وجه الأرض، وأكثرها بؤسًا.
---
**الخلاصة:**
تحقيق "The Times" يعيد تسليط الضوء على حقيقة مؤلمة: أن هناك حربًا مستمرة في الكونغو ليس من أجل السلطة أو الدين أو العرق، بل من أجل **الذهب**. وأن كل قطعة ذهب تُباع في المتاجر الفاخرة قد تكون لها قصة دموية بدأت بدموع طفل، وعرق عامل، وموت مدني.