د. كمال يونس يكتب: الارتجال المسرحي


الارتجال فن تفاعلي عفوي منبعه الوجدان ،مفهومه العام الخروج على النص الأصلي ، ونص مخرج العرض وحواره بشكل أساسي ، مما يفقد النص إلى حد ما صفة الثبات ، إذ يفترض في الارتجال إظهار مقدرة وحرفية فنية لممثليه، ويلاقي رواجا لدى جمهور المسرح الخاص أو التجاري خاصة مسرحيات الكباريه السياسي ، ومعها غاب الملقن الضامن لثبات النص وحواراته.
الارتجال بلا إطالة أو استرسال مع غزله بمهاره في السياق، وتتجلى حرفيته في الخروج به على النص ، والعودة منه للنص ، ليعطي حيوية ودرجة تفاعل عالية للجمهور مع العرض ،ويتركز أساسا في إسقاطات على أحداث عامة ضاغطة تمثل ظاهرة تمس الجمهور في حياته ، تتلامس وتتماس مع أحداث العرض سياسيا وثقافية واجتماعيا ، في تصرف ينبع من الشخصيات أو الأحداث ، منه ما هو مفاجئ خاطف مثل الإيفيهات وليد اللحظة والحدث الدرامي، عبارة عن تمرير كلام وحوار بعيدا عن الجهات الرقابة بطريقة فنية وفيه المجاز والاستعارة والكناية ، وهو خروج على النص لإثراء العرض وتعزيز تواصل الجمهور والعرض ، وفيه بصمة لحظية للمسرح الملحمي من كسر للإيهام وتحطيم الحائط الرابع ، يثري العمل بشرط أن يكون الممثل أو باقي الممثلين متقبلين إياه ومعززين له بتفاعلهم وهناك ارتجال خارج النص سواء تم تجريبه وصقله وتجويده و تم اعتماده من المخرج ووافق عليه الممثلون حتى لا يتفاجأون به ،ومدد الارتجال ومساحته متفاوتة منها القصير جدا مثل الإيفيه ،أو المتوسط المدة النابع من الحدث ،ولكن كلما زاد طول الارتجال جعله عرضة للسماجة والخروج بعيدا عن الأحداث وكسرا للمألوف وغالبا يصبح ضحكا للضحك فقط بعيدا عن سياق العرض.
وغالبا يقوم به فرديا نجم العرض ولا يسمح لباقي الممثلين بذلك إلا في أضيق الحدود ، ومرد ذلك استعراض النجم الممثل المطور دائما والواثق في قدراته وحسن تصرفه الفوري هو وباقي الممثلين ، ومنه ما هو ارتجال جماعي متفق عليه من مجموعة الممثلين.
والارتجال ليس قاصرا على المسرحيات الكوميدية فقط بل تتم ممارسته في مسرحيات الكباريه السياسي و الميلودراما أو التراجيديا وخاصة بما يناسب أحداث العرض وموضوعه.
وأشهر أنواع الارتجال المسرحي هو الكوميديا الفنية، أو كوميديا ديلارتي ،عرفه د. إبراهيم حمادة في معجم المصطلحات الدرامية على أنه : نوع من الأداء التمثيلي الملهوي، يقوم نصّه إلى حد كبير على ارتجال ممثلين محترفين.
ووصفها أحمد بلخيري في معجم المصطلحات المسرحية بأنها (تتميز بكونها إبداعا جماعيا ، يقوم به مجموعة من الممثلين ، الذين يتولون تحضير حفل أو فرجة بواسطة ارتجال حركي أو لفظي انطلاقا من تصميم معين ، أو أفكار رئيسية ، ولكنها ليست مكتوبة مسبقا من قبل كاتب ، وقد يستأنس الممثلون بموضوع مستعار من مسرحية كوميدية قديمة أو مخترعة .
والكوميديا دي لارتي لا يبحث فيها الممثلون عن المحتمل ولكن يبحثون على الإيقاع والإيهام الصادر عن الحركة) .
يجب على الفرق التي تعتمد الارتجال في عروضها أن تكون حريصة تؤكد على الممثلين أن الارتجال فن جماعي على تحقيق أعلى من درجات التفاهم والتعارف الجيد على دقائق أداء بعضهم البعض وتنمية إحساسهم العفوية للوصول إلى قلوب الناس.
لابد أن تتوافر في الممثل المرتجل موهبة عالية سرعة بديهة وتصرف ذكي وتواصل دقيق وانتباه وتركيز عال ودراسة لكل زملائه في العرض وإمكانياتهم وقدرتهم على استيعاب رد الفعل للارتجال الفجائي وتفهم كامل لطبيعة ما يفضله الجمهور في توازن ما بين موضوع نص العرض وارتجاله المعزز لدرامية العرض، وتركه مجالا للتعبير مع تفكير عميق في أحسن الردود على الحوار المرتجل ، إذ أن الارتجال تفاعل فوري وتلقائي وعمل جماعي حيث يستوحي كل واحد من الممثلين أفكاره من خلال ما يقوله الآخر فيستكمله في انسجام ويكون الارتجال الفوري غالبا بتأليف نص بشكل عفوي وتلقائي فرديا أو جماعيا، حيث يتناولون فكرة طرحهما أحدهم فيكملوها في تسلسل منطقي واتساق بعيدا عن عن الكليشيهات النمطية المستهلكة ، والدفع بما يتناسب ويثري الشخصيات حيث يوحي لزملائه بالأفكار الرائعة المتناسبة، وفيه إضافة وحذف وتطويل وتقصير كلها في حدود خدمة العرض وتعزيز وصول رسالته ومتعته الفكرية والفنية للجمهور .
وقد يكون الارتجال فرديا خاصا بنجم العمل ،حوارا منفردا ( مونولوج) ما بين رقصات أغان، وقد يكون ارتجالا جماعيا يشارك فيه الجميع بالتناوب والتسلسل والتضمين اتساقا وانسجاما.
وعلى المخرج استيعاب قدرات ممثلي العرض وتحفيز خيالهم واختيار الأنسب وتهذيبه حفاظا على جوهر عمله تيمته وحبكته بطريقة ذكية بعيدا عن الانفلات الارتجالي الذي يضر بالعمل ويقلل من قيمته بل ويفسد العرض بضراوة .