الأحد 27 يوليو 2025 01:45 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

المحلل السيأسى الكبير محمد الشافعى يكتب : ذكرى تأميم قناة السويس يوم انتصرت الإرادة المصرية على الاستعمار

الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى
الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى

** في يوم مشهود من أيام مصر الخالدة، وقف الزعيم جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956 على شرفة مبنى البورصة بميدان المنشية في الإسكندرية، ليطلق صرخة الحرية التي هزت عروش الاستعمار وأعادت الحق المغتصب إلى أهله.
كان قرار تأميم قناة السويس البحرية لحظة فارقة في التاريخ المصري والعربي، حيث استعادت مصر سيادتها الكاملة على أحد أهم الممرات المائية في العالم، وأرسلت رسالة واضحة بأن زمن الهيمنة الأجنبية على مقدرات الشعوب قد ولى إلى غير رجعة.
** قرن من الاستغلال الأجنبي
قبل التأميم، كانت قناة السويس تحت سيطرة "الشركة العالمية لقناة السويس البحرية" التي سيطر عليها المستعمرون البريطانيون والفرنسيون.. وعلى الرغم من أن القناة شُقت بدماء وعرق أكثر من مليون عامل مصري، استشهد منهم 120 ألفًا أثناء عملية الحفر، إلا أن أرباحها كانت تذهب لصالح المساهمين الأجانب .
في عام 1955، بلغت أرباح القناة 35 مليون دولار، بينما كان نصيب مصر منها مليون جنيه فقط، أي ما يعادل 5% من الأرباح، في حين كانت الدول العربية تحصل على 50% من أرباح النفط. هذا التفاوت الصارخ كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الرئيس جمال عبد الناصر لاتخاذ قرار التأميم .
** اللحظة التاريخية.. خطاب المنشية الذي غير مسار التاريخ
اجتمع الوزراء في منزل الرئيس عبد الناصر في حي الرمل بالإسكندرية قبل الخطاب التاريخي ، حيث أدرك الوزراء أن الاجتماع له ما بعده عندما بدأ الرئيس عبد الناصر حديثه .. وفي الساعة العاشرة مساءً، وقف جمال أمام حشود غفيرة في ميدان المنشية، وألقى خطابًا تاريخيًا مزج بين الفصحى والعامية، مؤكدًا أن مصر لن تقبل بأن تكون "عبدًا للأجانب" .
عندما قال الرئيس عبد الناصر اسم "ديليسبس" (مهندس القناة الفرنسي) 16 مرة، كانت هذه إشارة سرية لفريق التأميم بقيادة المهندس محمود يونس للتحرك فورًا والسيطرة على مقرات الشركة . وبمجرد إعلان القرار، عمت الفرحة كل أنحاء مصر والعالم العربي، حيث خرج الناس في الشوارع يهتفون ويرقصون فرحًا بهذا الانتصار التاريخي وكانت ضربة معلم للإستعمار .
** القرار استعادة السيادة الكاملة
نص القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس جمال عبد الناصر على:
- تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية
- انتقال جميع أموال الشركة وحقوقها والتزاماتها إلى الدولة المصرية
- تشكيل هيئة مستقلة لإدارة القناة تتبع وزارة التجارة
- تجميد أموال الشركة في مصر والخارج
** ردود الفعل الدولية والعدوان الثلاثي
لم يمر القرار بسلام، حيث شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانًا ثلاثيًا على مصر في أكتوبر 1956، في محاولة يائسة لاستعادة السيطرة على القناة .. لكن الإرادة المصرية والصمود الشعبي والجيش المصرى والشرطة المصرية ، أجبروا المعتدين على الانسحاب، لتبقى القناة تحت السيادة المصرية الكاملة .
** الدروس المستفادة وإرث التأميم
يشكل تأميم قناة السويس درسًا خالدًا في عدة جوانب:
1- السيادة الوطنية .. أثبتت مصر أن الشعوب قادرة على استعادة حقوقها بقوة الإرادة وان صوت الجماهير هو صوت الحق وصمود الشعوب هو الإرث المصرى .
2- الاستقلال الاقتصادي .. تحولت القناة من مصدر للاستغلال الأجنبي إلى مورد رئيسي للدخل القومي، حيث مولت مشاريع تنموية كبرى مثل السد العالي
3- الوحدة الوطنية .. تجسدت قوة الشعب المصري عندما وقف صفًا واحدًا خلف قيادته الوطنية
4- النموذج الملهم .. أصبحت تجربة التأميم نموذجًا للدول التي تسعى لاستعادة سيادتها على مواردها والتى تقف أمام الاستعمار المستغل لثروات الشعو ب .

** ذكرى خالدة وإرث متجدد
بعد 69 عامًا على هذا القرار التاريخي، تبقى قناة السويس شاهدًا على إرادة الشعب المصري الذي قال كلمته ورفض الخنوع والخضوع .
اليوم، تحتفل مصر بذكرى تأميم القناة ليس كحدث مضى، بل كإرث حي يذكر الأجيال المتعاقبة بأن الحرية والكرامة لا تُمنحان، بل تُنتزعان انتزاعًا .
** وستظل مصر، كما أرادها شعبها وقادتها الوطنيون على مر العصور وشهد بها التاريخ، "أبية على كل المؤامرات التي تحاك"، قوية بشعبها، صلبة في مواجهة التحديات، عظيمة بإرثها الحضاري والنضالي. فكما انتصرت الإرادة المصرية في 1956، ستظل تنتصر في كل معركة تمس سيادة الوطن وكرامة أبنائه سواء من قوى خارجية او من أذيال داخلية تتخذ التضليل أو الدين ستار لها .. وستبقى وتحيا مصر .

ذكرى تأميم قناة السويس يوم انتصرت الإرادة المصرية على الاستعمار الجارديان المصرية محمد الشافعي