الخميس 28 مارس 2024 02:56 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حمادة إمام يكتب : فى الذكرى ال42 لوعد السادات توصيل مياه النيل ﻹسرائيل

الكاتب الصحفى حمادة إمام
الكاتب الصحفى حمادة إمام

في‮ ‬أوائل سنة ‮٩٧٩١ ‬كان الدكتور‮ »‬بطرس‮ ‬غالي‮« ‬في‮ ‬زيارة لإسرائيل،‮ ‬وعاد منها ليتوجه مباشرة إلي‮ ‬مكتب رئيس الوزراء الدكتور‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬ليروي‮ ‬له تفاصيل واقعة حدثت أثناء زيارته لإسرائيل‮. ‬فخلال عشاء أقامه له‮ »‬ديان‮« ‬شكا له وزير خارجية إسرائيل من أن رئيس الوزراء‮ ‬يتخذ مواقف قاطعة لا‮ ‬يحيد عنها،‮ ‬وإنه كان‮ ‬يناقشه قبل‮ ‬يومين في‮ ‬أمر المفاوضات مع مصر،‮ ‬فإذا‮ »‬بيجين‮« ‬يقول له منفعلا‮: »‬اسمع أنا لن أبيع سيادة إسرائيل مقابل ماء النيل‮« ‬وقال‮ »‬بطرس‮ ‬غالي‮« ‬لرئيس الوزراء إنه حاول استقصاء الموضوع من‮ »‬ديان‮« ‬برقة،‮ ‬ثم عرف أن‮ »‬بيجين‮« ‬تلقي‮ ‬عرضا سريا من الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬باستعداده لإقامة خط أنابيب من مياه النيل‮ ‬يصل إلي‮ ‬النقب لري‮ ‬أراضي‮ ‬مستعمرات‮ ‬يمكن نقلها من الضفة الغربية إلي‮ ‬هناك‮ (‬إلي‮ ‬النقب‮) ‬في‮ ‬حالة التوصل إلي‮ ‬اتفاق بشأن الضفة الغربية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وأحس‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬بخطورة الأمر وذهب لمقابلة الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬ومعه الدكتور‮ »‬بطرس‮ ‬غالي‮« ‬وطلب من‮ »‬بطرس‮ ‬غالي‮« ‬أن‮ ‬يروي‮ ‬للرئيس‮ »‬السادات‮« ‬ما سمعه نقلا عن‮ »‬ديان‮« ‬وكانت المفاجأة للاثنين أن الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬استمع إلي‮ ‬ما قيل له بهدوء،‮ ‬ثم قال‮: »‬وماله‮. ‬وبينما كان مصطفي‮ ‬خليل وبطرس‮ ‬غالي‮« ‬ينظران إليه باستغراب،‮ ‬استطرد الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬يقول‮: »‬حتي‮ ‬بعد بناء السد العالي‮ ‬فنحن ما زلنا نرمي‮ ‬بكميات من مياه النيل إلي‮ ‬البحر‮.. ‬وأي‮ ‬ضرر‮ ‬يحدث لنا إذا أعطيناهم هذه المياه لحل المشكلة؟‮« ‬ورد الدكتور مصطفي‮ ‬خليل قائلاً‮: »‬إن هناك فعلا كميات من المياه ترمي‮ ‬في‮ ‬البحر،‮ ‬ولكن ذلك‮ ‬يحدث في‮ ‬حدود ضيقة وبهدف خدمة الملاحة في‮ ‬النيل في‮ ‬غير موسم الفيضان،‮ ‬وأيضا بسبب ضرورات تشغيل محطات كهرباء السد العالي،‮ ‬ولكي‮ ‬يكون هناك مسقط للمياه كافيًا لتوليد الكهرباء‮«. ‬وقاطعه الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬قائلاً‮: »‬خلاص‮.. ‬نديهم الميه دي‮«.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
واضطر‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬إلي‮ ‬أن‮ ‬يقول للرئيس‮ »‬السادات‮«: »‬إننا لا نستطيع أن نعطيهم هذه المياه لأننا سوف نظل دائمًا مضطرين إلي‮ ‬إطلاق مياه السد العالي‮ ‬لأغراض الملاحة والكهرباء‮« ‬ورد الرئيس السادات قائلاً‮: ‬إنه بعث بعرضه فعلا إلي‮ »‬بيجين‮«‬،‮ ‬ولابد من إعادة النظر في‮ ‬هذا الموضوع بما‮ ‬يسمح بتنفيذ وعده،‮ ‬وهو‮ ‬يري‮ ‬أن عرضه هذا‮ »‬يحل كل شيء‮« ‬ومع أن الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬أبدي‮ ‬دهشته مما نقله‮ »‬بطرس‮ ‬غالي‮« ‬عن‮ »‬ديان‮« ‬من قول‮ »‬بيجين‮« ‬إنه لايبيع سيادة إسرائيل في‮ ‬مقابل مياه النيل ــ إلا إنه ظل برغم ذلك مقتنعًا بأن لديه سلاحًا سريًا‮ ‬يستطيع به في‮ ‬اللحظة المناسبة حل إشكالية المفاوضات‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ورأي‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬بعد هذا اللقاء أن عليه أن‮ ‬يتحرك بسرعة لإقناع الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬بالعدول عن عرضه‮. ‬وقام علي‮ ‬وجه الاستعجال بتشكيل لجنة ضمت وزير الري‮ ‬وبعض خبرائه،‮ ‬إلي‮ ‬جانب الدكتور‮ »‬بطرس‮ ‬غالي‮« ‬وزير الدولة للشئون الخارجية مع عدد من المستشارين القانونيين في‮ ‬الوزارة‮. ‬ثم عاد‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬ومعه‮ »‬بطرس‮ ‬غالي‮« ‬يعرضان علي‮ ‬الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬نتائج بحث هذه اللجنة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وراح‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬يعد أسبابه‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮١ ‬ــ ليست عندنا مياه فائضة علي‮ ‬الإطلاق‮.‬‬‬‬‬‬‬
‮٢ ‬ــ نحن من الآن فعلا نستعير جزءا من حصة المياه المخصصة للسودان‮.‬‬‬‬‬
‮٣ ‬ــ إن إيراد مياه النيل‮ ‬يشهد تذبذبًا خطيرًا في‮ ‬السنوات الأخيرة،‮ ‬وقد بدأت بالفعل سنوات قحط من الجنوب ولولا بناء السد العالي‮ ‬لحلت بمصركارثة‮. ‬ولو استمرت سنوات القحط فإننا سوف نستهلك مخزون بحيرة السد في‮ ‬ظرف سنوات قليلة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮٤ ‬ــ إن احتياجاتنا الحالية من الماء الآن ‮٥٥ ‬مليار متر مكعب‮. ‬وأملنا الحقيقي‮ ‬في‮ ‬احتمالين‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮(‬أ‮) ‬أن نتمكن من تغيير أساليب الري‮ ‬في‮ ‬مصر‮. ‬ونلجأ إلي‮ ‬الرش بدلا من الغمر‮. ‬ونحن نطبق ذلك في‮ ‬الأرض الجديدة ولا نطبقه في‮ ‬الوادي‮ ‬القديم،‮ ‬ولن نقدر علي‮ ‬ذلك إلا بعد سنوات طويلة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮(‬ب‮) ‬أن نتمكن من معالجة مياه الصرف،‮ ‬وهذه تحتاج إلي‮ ‬استثمارات كبيرة وإلي‮ ‬وقت طويل حتي‮ ‬تصبح ممكنة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وكان الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬يسمع ساكتًا‮. ‬وتصور‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« »‬أنه تمكن من إقناعه‮«.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
كان دور‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬يتحول من دور مفاوض لديه سلطة واسعة للتصرف إلي‮ ‬دور نوع من مانعات الصواعق‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
والتفت‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬إلي‮ ‬موضوع آخر‮ ‬يريد تسويته،‮ ‬قبل أن تبدأ مرحلة حاسمة من المفاوضات السياسية بين‮ »‬السادات‮« ‬و‮ »‬بيجين‮« ‬باشتراك‮ »‬كارتر‮«. ‬وكان الموضوع الذي‮ ‬طرح نفسه هو موضوع البترول‮. ‬
وقرر‮ »‬بيجين‮« ‬أن‮ ‬يزور مصر بنفسه بعد أن أبلغ‮ ‬من واشنطن بأن الرئيس‮ »‬كارتر‮« ‬سوف‮ ‬يجيء إلي‮ ‬المنطقة بنفسه ليتوسط في‮ ‬محادثات جديدة بين مصر وإسرائيل تدفع باتفاقية‮ »‬كامب ديفيد‮« ‬إلي‮ ‬معاهدة سلام كاملة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ثم تقرر أن‮ ‬يجيء‮ »‬عزرا وايزمان‮« ‬إلي‮ ‬مصر ليمهد لمجيء‮ »‬بيجين‮« ‬ولاحظ الدكتور‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬أن‮ »‬وايزمان‮« ‬تجنب مقابلته في‮ ‬هذه الزيارة،‮ ‬وقصد إلي‮ ‬أسوان لمقابلة الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬مباشرة دون أن‮ ‬يتوقف في‮ ‬القاهرة ليتحدث مع رئيس الوزراء رغم صداقة وثيقة بين الاثنين‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ثم تلقي‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬استدعاء من الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬إلي‮ ‬اجتماع لمجلس الأمن القومي‮ ‬في‮ ‬الاستراحة الواقعة خلف خزان أسوان،‮ ‬وذلك بعد اجتماعه مع‮ »‬وايزمان‮« ‬والهدف أن‮ ‬يعرض علي‮ ‬أعضائه مشروعًا متكاملاً‮ ‬لديه‮. ‬وكانت المفاجأة الأكبر أن مشروع الرئيس السادات المتكامل احتوي‮ ‬علي‮ ‬ثلاثة موضوعات‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أولها‮: ‬موضوع توصيل مياه النيل إلي‮ ‬إسرائيل‮ (‬وهو موضوع كان‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬يتصور أنه فرغ‮ ‬منه‮).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
والثاني‮: ‬موضوع تزويد إسرائيل بالبترول‮ (‬وهو موضوع كان‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬لا‮ ‬يزال‮ ‬يتفاوض فيه‮).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
والثالث ــ موضوع آخر طرأ علي‮ ‬غير انتظار،‮ ‬وهو اتجاه الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬إلي‮ ‬إلغاء جامعة‮ »‬الدول‮« ‬العربية وإنشاء جامعة‮ »‬للشعوب‮« ‬العربية بدلا منها‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ورأي‮ ‬الدكتور‮ »‬مصطفي‮ ‬خليل‮« ‬أن‮ ‬يذهب وحده إلي‮ ‬الاستراحة ليقابل الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬ويسأله عن زيارة‮ »‬وايزمان‮«‬،‮ ‬لأن‮ »‬وايزمان‮« ‬جاء إلي‮ ‬أسوان وسافر دون أن‮ ‬يقابله‮. ‬ورد الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬بقوله‮: »‬إن أهم ما حمله إليه وايزمان هو قوله‮ »‬إنك سوف تجد بيجين هذه المرة شخصًا مختلفًا عما عهدته‮«.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
الأجواء السابقة،‮ ‬والولادة المتعثرة التي‮ ‬ولدت فيها اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وتغيير موقف بيجين والليونة التي‮ ‬أصابته فجأة كلها كانت العوامل الخفية والمؤثرة التي‮ ‬وقعت فيها مصر علي‮ ‬معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وملاحقها السرية وضمانات تنفيذ بنودها‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وكلها تكشف أن السيولة التي‮ ‬أصابت تصلب موقف بيجين وتغيير موقفه كان وراءها مقابل سخي‮ ‬قد حصل عليه فرئيس الوزراء الإسرائيلي‮ ‬رفض تزويده بالمياه وكذلك البترول وحتي‮ ‬الضمانات الأمنية والمزايا التي‮ ‬عرضها السادات رفضها جميعًا فقد كان أكثر ذكاءً‮ ‬ومعرفة بحقائق الأمور وإن كافة هذه المزايا والعروض‮ ‬يمكن التراجع عنها والمشي‮ ‬فوقها بأستيكة وكلها عروض‮ ‬يمكن الحصول عليها من جهات أخري‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
والشيء الوحيد الذي‮ ‬يضمن بقاء إسرائيل آمنة هو عدم حصول مصر علي‮ ‬السلاح النووي‮ ‬فهو الذي‮ ‬يضمن تفوق إسرائيل طوال عمرها وكذلك ركوع مصر للأبد طالما قيدت باتفاقية رسمية تمنعها من امتلاك السلاح النووي‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬