الجمعة 26 أبريل 2024 08:12 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حكايات مصيرية

الكاتب الصحفي الحسيني عبدالله يكتب: أحمس والتاريخ

الكاتب الصحفي الحسيني عبدالله
الكاتب الصحفي الحسيني عبدالله

مع اقتراب شهر رمضان من الرحيل . خلت الاعمال الدرامية الرمضانية من أي مسلسلات تاريخية . بعد ايقاف تصوير مسلسل (أحمس )لوجود اخطاء تاريخية كبيرة به .
وهو ما اخرج المسلسل من السباق الرمضاني . لتظل الاعمال التي تمثل البلطجة والدعارة وغيرهما . من الامور التي تهدد السلام الاجتماعي . هي من تعرض علي الشاشات .
وهو ما جعلني اسعي لفهم لماذا وقع مؤلف العمل التاريخي في اخطاء ؟
وهو ما سوف احاول فهمة من خلال الاجابة علي سؤال من يكتب التاريخ ؟
وهنا الابد ان نعرف اولا ما هو التاريخ
يقول هيرودوتوس أقدم كتب التاريخ المتوافرة قائلًا إن بحثه هذا توثيقٌ كي لا “تتلاشى الأحداث البشرية بفعل الزمن".
أي أن تأريخه مرتبط بتدوين ما جرى لكي تستفيد منه الأجيال القادمة.
يمكن القول إن التاريخ هنا مرادف للماضي.
يقدم إبن خلدون مفهوماً آخر. فالتاريخ بالنسبة إليه فنٌّ ظاهره أخبار الأيام والدول وباطنه علم بكيفيات الوقائع. (مقدمة ابن خلدون، ص 9-10). ولكن الحقيقة ان هناك مقولة اخري تغير كل ذلك وهي ان يقال إن المنتصر هو من يكتب التاريخ. وهذه المقولة إلى حد ما حقيقية بل أقرب إلى الصدق. فخلال الفترات الماضية كان كل من ينتصر في معركة أو حرب أو منافسة حزبية ما، هو الذي يدون في كتب التاريخ ما يريد من أحداث وبيانات ومعلومات وربما لا يقتصر ذلك على كتب التاريخ فقط لكنه أيضا يضمن ذلك في المقررات الدراسية الذي يدرسها التلاميذ في المدارس والجامعات، في حين يُغفل عمداً معلومات أخرى ذات أهمية وقيمة في اكتمال الصورة بشأن الحدث، وترتيبا على ذلك فالتاريخ دائما ما يكتبه المنتصر ليروج فيه لنفسه ولانتصاراته ويبرز إنجازاته ويقلل فيه من قيمة خصمه.
ففي أكثر من رواية يُصور الزعيم والقائد المنتصر بأنه البطل، ولا يذكر بين تاريخه إلا ما هو حسن، أما ما هو سيئ فُشطب بهدف المحافظة على الصورة المشرقة البراقة له. ولا تظهر هذه الحقائق إلا بعد ذهاب صاحبها، وهذا يذكرنا بالمقولة الشهيرة إن التاريخ الحقيقي لا يظهر إلا بعد زوال صاحبه.
في التاريخ المعاصر حدثت حروب وأحداث جسام تمثل جزءاً مهماً من تاريخ العرب، ولكن هذا ليس موضوعنا في هذا المقال ولذا سوف نعود الي شخصية الملك احمس الذي استلهم نجيب محفوظ في روايته "كفاح طيبة" 1944، التي ختم بها ثلاثيته الفرعونية بعد "رادوبيس" 1943، و"عبث الأقدار" 1939.
ويصف الملك الشاب بالقول: "لا يكاد يبلغ العشرين من عمره، حبته الطبيعة طولًا فارعًا، وقدًّا نحيلًا دقيقًا، وصدرًا عريضًا، متينًا، ينطق وجهه المستطيل بالنضارة والجمال الفائق، وعيناه السوداوان بالصفاء والحسن، وأنفه الأشم بالقوة والتناسق"
لا يبعد هذا الوصف كثيرًا عن وصفه التاريخي، كما لا تبتعد الرواية في خطوطها العامة عن الوقائع ممثلة في حروب الأب والأخوين ضدّ الهكسوس. بل إنه حرص على تأكيد بروز الأسنان كملمح تميزت به الأسرة.
ولكن هناك خطوط كثيرة كانت محض، خيال منها هروب الأسرة الملكية إلى النوبة بعد مقتل الأب، وعودة "أحمس" بعد عشر سنوات متنكرًا في زي تاجر ثري، ووقوعه في حب أميرة من الهكسوس.
ما يفرض سؤالًا حول مدى التزام النصوص الأدبية والفنية، بالوقائع التاريخية؟ في حين انا هناك كتب اخري وروايات تاريخية عن الملك الشاب انة ولد للاسرة الثامنة عشرة، في طيبة (الأقصر) حوالي 1560 ق.م، وهناك اختلاف هل الملك سقنن رع جده أم أبوه؟ مردّ الخلاف إلى وجود ملكين بالاسم نفسه، أحدهما حمل لقب "تاعا الأكبر" كان جده فعلًا، والآخر "تاعا" كان والده.
جدته الملكة "تتي شيري"، وأمه إياح حتب، وزوجته "أحمس نفرتاري"، ولعبت السيدات الثلاث دورًا عظيمًا في حياته.
كان له عدد من الأخوة أهمهم "كامس" الأكبر سنًا الذي تولى الحكم حوالي خمس سنوات.
في عهد الأسرة، دارت حرب تحرير مصر من "الهكسوس" وهي أول حرب عظيمة يعرفها المصريون، وخلدتها الصورة الأيقونية لأحمس المندفع وراء أعدائه.
بعد مقتل الأب ثم الأخ الأكبر في الحرب، تولّى أحمس الحكم في سن التاسعة عشرة، فاستكمل مسيرة التحرير، وامتدّ حكمه لاثنين وعشرين عامًا، حيث توفي عن حوالي أربعين عامًا.
في موسوعة سليم حسن "مصر القديمة" جاء وصفه للملك الشاب في أكثر من موضع:
"يطلع الملك وحاشيته كأنه القمر في وسط النجوم، يسير في رفق وبخطى وئيدة، وبقدم ثابتة، ونعل ينطبع على الثرى أثره. ويرفرف عليه بهاء "رع". ويحميه "آمون" والده الفاخر، مفسحًا له الطريق".
بعيدًا عن هذا الوصف الأدبي، ثمة وصف آخر مستلهم من المومياء المحفوظة في متحف الأقصر: "رجل قوي الجسم، عظيم المنكبين، عريضهما، طوله نحو خمسة أقدام، وست بوصات، أسود الشعر، مجعدة، له ثنايا بارزة بعض الشيء، وتلك من مميزات الأسرة".
وهنا يظل السؤال مثار جدلا واسعا
من يكتب التاريخ؟ سؤال يفتح مجالًا لأشكال عدة من النقاش، خاصة إذا نظرنا إلى أهمية كتابة التاريخ، وتأثيراتها في تشكيل الهوية، وحفظ كيان المجتمع، وتوثيق أحداثها، فالتاريخ مصدر إلهام الشعوب التي تعيش حاضرها وليس ماضيها، تعتز الأمم المتحضرة بماضيها بسلبياته وإيجابياته لأنه يمثل صفحة تاريخية طواها الزمان.