الإثنين 4 ديسمبر 2023 02:11 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : قـــراءة تفسيرية لسورة العلق (1)

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ هي من السور المرتبطة بالنبي ارتباطا وثيقا، وتمثل نقطة تحوّل في حياته؛ إذ تؤرِّخ لبداية البعثة المحمدية، كما تؤرِّخ لأول لقاء بين الأرض والسماء في الإسلام بين النبي وجبريل بغار حراء، وسُمِّيت بذلك؛ لأنها تحدثت عن خلق الإنسان من علق، وتُسمَّى سورة (اقــــرأ)؛ لأنها بدأت بهذه الكلمة، وهي سورة مكيّة، عــدد آياتها تسع عشرة آية، وآياتها الخمس الأُوَل هي أول ما نزل من القرآن على الإطلاق، ثم تلاها الآيات الأولى من سورة المدثر ثم الآيات الأولى من سورة المزمل، وإن أول سورة نزلت كاملة هي سورة الفاتحة، وهذا هو الأرجح، وبذلك ينفك التعارض بين العلماء حول أول ما نزل من القرآن.
ــ وجدير بالذكر أن القرآن نزل نزولين: نزولا جُملة واحدة من اللوح المحفوظ بجوار العرش إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}، وكان ذلك في ليلة القدر وفقا لقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، أي الليلة العظيمة الشريفة المباركة كما وصفها ربنا في قوله تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}، وكون القرآن مسطورا في كتاب مكنون في لوح محفوظ قبل نزوله على النبي وقد تناول قضايا وتشريعات وأحداثا وقعت في زمن النبي بمكة والمدينة يؤكد علم الله المطلق، فهو عليم بكل شيء، يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وعلى ذلك كتب الله على العباد أفعالهم التي ستقع منهم إلى يوم القيامة لعلمه بها، وبذلك نفهم قضية التخيير والتسيير، فالإنسان مخيّر ومسيّر معا، فهو مخير؛ لأنه يفعل أفعاله بإرادته، وهو مسيّر؛ لأن الله كتبها عليها قبل أن يُوجَد لعلمه بأنه سيفعلها؛ ولذلك نقول: إن الله علم فكتب، والمكتوب نوعان: ثابت ومتغيِّر وفقا لقوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، الثابت هو الأمور التي يكتبها المَلَك على الإنسان بعد النفخ في الروح بأمر الله، وهي الأجل والرزق والسعادة والشقاء، والمتغير هو المِنَح والمِحَن والأحداث التي تصيب الإنسان في حياته؛ لذا جاء في الحديث "لا يردُّ القضاء إلا الدعاء"، و"لا يزال القضاء والدعاء يعتلجان ما بين الأرض والسماء" أي يتصارعان، فإن غلب الدعاءُ القضاءَ رفعه، وإن غلب القضاءُ الدعاءَ نزل بالإنسان.
ــ والنزول الآخر نزل به جبريل على رسول الله، وكان مفرّقا استغرق ثلاثا وعشرين سنة مدة حياة النبي من بعد الوحي إليه، وأول ما نزل قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وقد نزل به جبريل على النبي وهو يتعبد بغار حراء في شهر رمضان، تقول عائشة: "أول ما بُدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد (يتحنث من الحنث وهو الإثم والشرك، ويتحنث: يفعل ما يخرجه عن الإثم، أي يتعبد، وذوات العدد (ليال كثيرة بأيامهن، لكن عبرت بالليالي لأنها أنسب للتعبد) قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك (يأخذ الزاد)، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فَجَأَه الحق (بغته) وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقــرأ، فقال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد (ضمني حتى جهدتُ)، ثم أرسلني (تركني) فقال: اقــرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ .اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، ولعل ضمات جبريل النبي إلى صدره قذفت في قلبه علما ونورا وهداية إلهية، بل نقلته من حالة البشرية إلى حالة النبوة، ولذلك من بعدها لم يتلقَّ النبي شيئا من جبريل إلا وعاه وحفظه تحقيقا لقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}.
ــ والسورة تضمّ لقطتين: إحداهما تمثلها الآيات الخمس الأولى، وهي تحمل رسائل عامة إلى البشرية، واللقطة الثانية تحمل رسالتين : رسالة طمأنة ورسالة تخويف .. للحديث بقية.