الجمعة 13 يونيو 2025 07:10 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الومضه ٥٧( جزء ثان)

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : النبوءه.

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز

اتي علي الحاره يوما عبوسا حين صمتت الاغنيه الاذاعيه الصباحيه" كل الناس بيقولوا يارب" بدعوي ان الغناء حرام ايا كان مصدره واختلف الناس في الحاره علي تحريم الغناء وفي ذالك تباري وتصارع فريقان ، وياليت كان التباري علي إثبات نظريه علميه او تحديد مكان مخصص للإبتكار في الحاره، ولكن الاختلاف والتناحر والمناقشات السوفسطائيه كانت تدور حول رجلان احدهما سلفي ويدعي اسماعيل ابولحيه والاخر صوفي ويدعي عبد العزيز ابو سبحه، يومها تساءلت الحاره : اي منهما علي الطريق السليم الموصل لصحيح الدين ؟ يومها لجأت الحاره برمتها كعادتها الي بيت الحكيم ، تسأله ليضع الاثنان علي كفوف الحكمه ، فهو الوحيد في حاره السلطان الذي ورث ميزان الحكمه من ابيه الذي اتخذ له بيتا وسطا منذ ان انشئت الحاره ، وامام هذا البيت تجمع اهل الحاره وامسك كلا منهم علي عهده في انتظار خروج اسماعيل وعبد العزيز فلم يرسلوا مبعوثهم الي بيت الحكيم، واقتصرت جلستهم علي القرفصاء في الخارج ينتظرون ، فهم يشتاقون لرفع يد المنتصر ورمق المهزوم بنظرات التشفي ، كما يتمنون ان يخرج لهم الحكيم رافعا يد احدهم ويعلن عنه ليتبعوه.
دارت الاحاديث بين الثلاثه ابولحيه وابو سبحه والحكيم ، ظل الحكيم يستمع لكليهما في صمت وفي نفس الوقت كان بتفرس في الوجوه التي تقطب جبانها كثيرا وهي تتحدث خاصه السلفي الذي كان يعقب حديثه غالبا بابتسامه صفراء وقول سبحان الله ، بينما الصوفي كان يسمعه بإنصات وينتظر رد الحكيم عليه ، فلاغرض له سوي الرحمه به وعدم نقضه وان يتركه في حاله .
لم يحقق الحكيم رغبه احد منهم، وضرب عصفورين بحجر ، فلا رد علي السلفي وناهزه الحجه بالحجه ، ولا حقق رغبه الصوفي ، بل لم يتكلم البته واكتفي بالسماع الي احدهما وفي نهايه الاستماع اقترب من اذن السلفي واسر له ببعض كلمات ، فتغير وجهه وكأنه عاد سيرته الاولي، وكذا فعل فعلته مع الصوفي ،خرج الاثنان من بيت الحكيم ومازال الاثنين علي ذات الهيئه التي دخلا بها، ولكن الاهالي لاحظا ان ثمه انكسارا لحق بهما ، فلم يعلنا انتصار احدهما علي الاخر، وانفض المولد ولم يدخل احد لزياره بيت الحكيم ( الولي) بعدما اصر الحكيم ان تكون المناظره مغلقه علي الثلاثه.
لم تهدأ الحاره حتي تعرف مادار في بيت الحكيم واستنطقت خادمه فأجاب اهل الحاره:
لم يحدث شيئا سوي اقتراب الحكيم من الاذنين والتحدث فيهما بهمس لايسمعه سوي صاحب الاذن ثم انقضت المناظره. عاشت الحاره سنوات وسنوات وهي تحاول الاقتراب من الاذنين لتعلم ما اسر الحكيم بهما ، وجاءت نتيجه الاقتراب ان نصف الحاره اصبحوا ملتحين والنصف الاخر يمسكون بالمسابح ، الغريب في الامر ان نبوه الحكيم التي تلقفتها الاذنين تحققت بعد حين ،وعرفت الحاره السر بعد زمن تقلبت فيه الاذهان والعقول بعدها صار اسماعيل وعبد العزيز أدباء وكتبه كبار ، تغيرت هيئتهم وهذب اسماعيل ذقنه التي كانت تلامس صدره ، واقتصر عبد العزيز علي البيت في الامساك في المسبحه،وقررا الاثنين الا يتحدثوا في الدين قدر تحدثهم في قضايا الناس العامه واصلاح حيواتهم الدنيويه من مقت للظلم ومحاكمه المفسدون والوقوف بجانب الضعيف ورفع المعنويات وضرب الامثله للاستفاده منها واظهار الحفائر لكيلا ينزلق كثير من اهل الحاره ويهال عليهم التراب قبل موتتهم الاخيره.
همس الحكيم كانت بتلكم الكلمات التي افردوا لها الكتب والمقالات …
تلكم كانت نبوءة الحكيم.