حسين السمنودى يكتب : الفقر والفَقريين: مأساة اجتماعية بين الواقع والمفارقات
الجارديان المصريةالفقر حالة إنسانية قاسية يعيشها ملايين البشر، وهي ليست مجرد نقص في المال، بل امتداد لغياب العدالة الاجتماعية، وانتشار الحرمان من أبسط الحقوق. أما "الفَقريين" فهم فئة قد لا تعاني من فقر المال بالضرورة، ولكنها فقيرة في الأخلاق، القيم، والإنسانية، مما يضيف بعدًا آخر للمأساة المجتمعية التي تواجهنا اليوم.
الفقراء هم الضحية الأولى لأنظمة اقتصادية واجتماعية غير عادلة، تدفعهم إلى الكفاح اليومي من أجل البقاء. يعانون من البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وغياب الفرص التعليمية والصحية. الأطفال الذين يولدون في بيئة فقيرة غالبًا ما يُحرمون من التعليم والرعاية الصحية، مما يعيق نموهم ويقيد مستقبلهم. المرأة الفقيرة بدورها تتحمل أعباءً مضاعفة، حيث تُجبر على العمل في ظروف قاسية لتأمين الحد الأدنى من المعيشة لعائلتها.
على الجانب الآخر، يأتي الفَقريّون، وهم أولئك الذين يُحرمون من الثراء النفسي والإنساني، رغم تمتعهم بالمال والسلطة. يعيشون بلا قيم واضحة، ويتفننون في استغلال الضعفاء وتكديس الثروات دون مراعاة لحاجات الآخرين. هؤلاء الأشخاص يشكلون تحديًا خطيرًا للمجتمع، حيث يعمقون الفجوة بين الطبقات الاجتماعية ويعززون مشاعر الظلم والإقصاء.
الفقر المادي قد يكون سببًا مباشرًا للمعاناة، لكنه أحيانًا أقل وطأة من الفقر الأخلاقي. حين يتخلى الفَقريّون عن إنسانيتهم، ويستغلون ضعف الفقراء لتحقيق مصالحهم، تتحول المجتمعات إلى ساحات صراع خالية من الرحمة. في المقابل، نجد بين الفقراء من يملكون قلوبًا غنية بالإيمان والصبر، ويزرعون بذور الأمل رغم معاناتهم.
معالجة الفقر والفَقريين تتطلب حلولًا متعددة الجوانب. يجب على الحكومات تبني سياسات اقتصادية عادلة توفر فرص عمل وتضمن التعليم والرعاية الصحية للجميع. كما يجب تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية القيم الإنسانية، ومحاربة ثقافة الاستغلال والفساد التي يروج لها الفَقريون.
إن الفقر والفَقريين وجهان لعملة واحدة، تكشف عن ضعف منظومتنا الاجتماعية والاقتصادية. إذا أردنا مستقبلًا أفضل، فعلينا أن نعمل على إشباع جيوب الفقراء وقلوب الفَقريين معًا، لبناء مجتمع أكثر عدلًا وإنسانية.