الأحد 20 أبريل 2025 04:01 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : أغلى ما لدينا مقابرنا

    الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

لعلّي أبدأ مقالي هذا بتعبير الكاتب الإنجليزي (وليم شكسبير) على لسان "هاملت":
"أيها الخحل.. أين حمرتك"
والسبب، إننا قليلاً ما نوقر نبغائنا وأبطالنا في حياتهم، ونبخل عليهم أن نذكرهم بعد رحيلهم، وأن نقدمهم لأبنائنا، ويتسائل البعض في ضمائرهم، لماذا لم نسمعهم كثيراً، ولم نقل في حقهم كلمة طيبة وهم بيننا وبعد أن تركوا لنا الدنيا الفانية وتركوا لنا إرثاً لم نقدّره. ولم نقدّرهم ولم نعتذر عن اهمالنا لهم.

لقد أكدت مصر للعالم بأن مقابرنا هي أغلى ما لدينا، فيها كنوزنا تُسرق من بين ايدينا وتحت أعيننا، ولا نكترث ولا نهتم.
ڤإذا كان قدماء المصريين تركوا لنا كنوز مادية في مقابرهم وبعض من حكمتهم، وحبسوا معهم وضنّوا علينا بعلومهم وعلمهم.
فلدينا قبور المحدثين من أساطيرنا، تركوا لنا اعمالهم وها نحن نهملهم، ونستحي من اجترار آدابهم وتراثهم.

وكما ذكر الكاتب الامريكي "تود هنري" في كتابه الشيق (مت فارغاً)
في مقدمة الكتاب يشرح كيف استلهم فكرة كتابه، فيقول أثناء حضوره اجتماع عمل عندما سأل مدير أميركي الحضور قائلا: ما هي أغنى أرض في العالم؟ فأجابه أحدهم: بلاد الخليج الغنية بالنفط. وأضاف آخر: مناجم الألماس في إفريقيا. فعقب المدير قائلاً: بل هي المقبرة! نعم، إنها المقبرة هي أغنى أرض في العالم؛ لأن ملايين البشر رحلوا إليها «أي ماتوا» وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم تخرج للنور ولم يستفد منها أحد. ألهمت هذه الإجابة تود هنري لكتابة كتابه الرائع «مُت فارغاً» والذي بذل فيه قصارى جهده لتحفيز البشر بأن يفرغوا ما لديهم من أفكار وطاقات كامنة في مجتمعاتهم وتحويلها إلى شيء ملموس قبل فوات الأوان، وأجمل ما قاله تود هنري في كتابه «لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً».
وأنا أضيف لرأي "تود هنري" بأنه ليس فقط أن لا نترك العالم ونحن نخفي ما نعلم من افكار وتجارب وخبرات، بل أيضاً، لا نهمل التراث الفكري لمن سبقونا.

في مقابرنا المصرية، آلاف النابغين الذين رحلوا، ما يعلم عنهم إلا القليل من الاحياء الآن، ولن أعود بعيداً الآن، بل ابدأ منذ عام ١٨٠١، أي منذ مائتين وخمس وعشرين عاماً، حين أبصر النور طفل مصري صعيدي من مدينة طهطا، بمحافظة سوهاج اسمه: رفاعة رافع الطهطاوي، وحكايته تمثل أسطورة في حد ذاته، وتأثيره لا يزال باقياً حتى الآن.

ألَمْ يستحق أن نمجد ذكراه كبطل شعبي، نعلّم سيرته لأبنائنا، نعيد دراسة تراثه وآثاره، أن يكون بطل أفلامنا ومسلسلاتنا، أن نعيد نشر افكاره وتعاليمه ومآثره.

سوف تحل ذكرى وفاته في ٢٧ مايو ١٨٧٣،
هذا الرجل الذي توفي منذ ١٥٢ عاماً، كان سبب من أسباب النهضة المصرية خلال القرنين الآخرين من الزمان.

هذا الرجل مهد الطريق لمئات الأدباء والشعراء والفنانين والفلاسفة والمفكرين، وينبغي علينا الاحتفال كل عام بذكرى ميلاده وإحياء ذكرى وفاته، وتلقين سيرته ومسيرته لاطفالنا على الدوام.
فلنعد لزيارة مقابر العظماء، ولنأتي منها بقبس من النور الذي أشعلوا جذوته لننير طريق الأجيال الجديدة، ليجدوا القدوة والسند وليشعروا بالفخر والمجد وليسيروا على منهجهم ودربهم.