وفاء أنور تكتب : الحكاية وشبيهتها


تستفزنا أحيانًا بعض التصريحات غير المسئولة التي تفرض وجودها علينا فجأة، كلمات بالية لا أصل لصحتها، تبقينا صامتين لا ندري من أين نبأ النقاش فيها، لنجد بعدها الذكريات تلاحقنا، تأتينا على عجل لتربط بين موقف نتعرض له الآن وبين موقف آخر يشبهه، فنظل ندور لنبحث عن إجابة شافية، لعلها تمكننا من الرد القاطع على حديث اختلط جده بهزله.
دفعني هذا الحديث الخاص النابع عن فكرة لم يكن يتوقعها أحد، فكرة الحديث عن مرور سفن إحدى الدول عبر قناة السويس المصرية دون دفع رسوم تم تطبيقها عليها وعلى مثيلاتها، إلى أن تذكرت هذا الموقف الذي وجدت فيه أبلغ رد على حديث كهذا.
كنت في فترة الثمانينيات أتابع برنامجًا تليفزيونيًا مميزًا عنوانه -فتاوى وأحكام- برنامج ديني ذو طابع طيب، له عظيم الأثر، كان مقدم البرنامج هو الأستاذ"علي عبد الحليم" وكان ضيف الحلقة هو الشيخ "عطية صقر" -رحمة الله عليهما- يستعرضان فيه أسئلة المشاهدين المرسلة عبر بريد البرنامج، بهدف عرضها وبغرض معرفة الإجابات المثالية عنها.
كانت أولى الرسائل قد وصلت من شقيقة تشكو فيها من أمر شقيقها الذي زعم بأنه قد تلقى وحيًا من السماء منزلا، وبأنه قد كلفه برسالة لابد له أن يبلغها للناس، قرأ المذيع الرسالة ولم يعقب إلا بابتسامة مغلفة بشعور من حياء ومن دهشة كست وجهه ظاهرة وواضحة، أتذكر حينها أنني كنت أتلهف لسماع الإجابة عن سؤال غريب كهذا.
بدأ الشيخ الجليل حديثه بهدوء تكسوه لهجة مهذبة قائلًا لها: "يا ابنتي أنتِ تعلمين أن حديث شقيقك لا أساس له من الصحة، لكنك تسألين عن إجابة تمكنك من إقناعه بها، ثم واصل حديثه قائلًا:" عليكم بتقديم النصيحة له بكل هدوء لعله يعود لرشده وصوابه.
اخبروه بأن النبي الخاتم هو سيدنا "محمد صلى الله عليه وسلم" وبأن الوحي من بعد وفاته لم يعد يتنزل على أحد، ثم عقب بهدوء وبثقة: "إن لم يجدِ معه هذا الحديث نفعًا يا ابنتي؛ فباب المستشفى مفتوح على مصراعيه"
مرت السنوات وبقيت تلك الجملة حاضرة، باقية كما هى، إلى أن دفعني هذا التصريح المستفز لاستدعائها، فوجدت فيها أبلغ رد على مقترح سخيف أغضب كل مصري ومصرية، فالموقفان تشابها والحكايتان خرجتا من سلة واحدة.