شبراوى خاطر يكتب : قانون الإيجارات الجديد “كالمستجير من الرمضاء بالنار”


كيف تواجه الحكومة تعديلات قانون، تم تشريعه وإقراره لتنظيم معاملات إيجارية لشعب عاش هنا منذ ما يقرب من ثمانين إلى مائة عام. وتم تطبيقه تحت وصاية وتنفيذ ما يقرب من ستة أنظمة حكومية متسلطة مختلفة، يمثلها العديد من الوزارات المتتابعة..
وكأن الحكومة عالجت مشاكلها التي اختلقتها بنفسها لكي تتصدى في هذا التوقيت للمشكلات المتوارثة من كل الحكومات السابقة، منذ حكم فؤاد الأول، ثم فاروق الأول ثم مجلس قيادة الثورة وجمال عبد الناصر ثم محمد انور السادات، ومن بعده محمد حسني مبارك وحكوماته، ثم (فترة الفوضى الخلاقة) ثم النظام الحالي منذ عام ٢٠١٣.
منذ مائة عام كان عدد السكان ثلاثة عشر مليون نسمة، والآن إزداد الى مائة وخمسة عشرة مليونا.. ازداد عدد السكان عشرة مرات في مائة عام.
لماذا نذكر هذه البيانات؟
لأننا عندما نحاول التصدي لتعديل قانون تم التفكير فيه وسنّه وإقراره منذ ما يقرب من مائة عام لينظم العلاقة الإيجارية بين سكان عددهم ثلاثة عشرة مليون. وظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة تماماً. وعندما كانت القيمة الشرائية للعملة المحلية في ذلك الوقت مناسبة تماماً لكلا الطرفين وبكامل الرضا بينهما.
الآن.. المعضلة الحقيقية التي تواجهها الحكومة تتمثل في كيف تضع حلول لمشكلة كانت تبدو للحكومات السابقة مستحيلة الحل. حيث كانت غريزة البقاء لديهم تدفعهم لاختيار حل الفرار والهروب بدلاَ من المواجهة والقتال.
هذه الحكومة ذات "الجلد السميك" تواجه شتى أنواع المشكلات، مشكلات شخصية، ومشكلات أسرية ومشكلات في العمل ومشكلات عشوائية المدن، ومشكلات في مؤشرات الكفاءة والفعالية، ومشكلات التضخم المتسارع، ومشكلات السربعة لتحقيق نهضة عمرانية، وتحديث للبنية التحتية الغير مسبوقة، ومشكلات العالم كله التي تؤثر فينا بمفهوم "تأثير الفراشة". والأكثر خطورة، مشكلة تدنى الثقة والمصداقية القائمة بين قطاعات شعبية واسعة وأعضاء الحكومة مجتمعين ومنفردين.
كما أن الناس تواجه ضغوط لم يكن ليقبلوها أو يتحملوها في السنوات الماضية، ولكني أشهد للحكومة الحالية بذكائها في التعامل مع مشكلاتها بتخدير الرأي العام وتقليم أظافره أول بأول. وذلك على الرغم أننا نفقد كل أمل في ان يتم حل الصراعات القائمة داخلياً وخارجياً.
وإذ تستند الحكومة إلى إطالة أمد الجدل حول المشكلات العويصة وحلولها المقترحة والتي لابد وأنها تلائم البعض وتضر البعض الآخر.
ونتيجة لذلك، نبدأ في التكيف لقبول الدواء المر على امل الشفاء، او نستسلم او نرضى بالأقل الذي لا يشعرنا بالرضا حسب ما يسمى تأثير "الخنزير في الزنزانة" حيث تضع عشرة بنود صعبة القبول للمتضررين، وإضافة بند يثير أكثر الجدل حول القانون برمته.. ثم يأتي الوقت الذي يستغيث فيه الناس، فتسارع الحكومة لإلغاء البند القاسى، وهكذا ينال التشريع رضا الناس على التعديلات وعلى
الحكومة الرحيمة الرشيدة.
ولكن في ظل هذه الضغوط الهائلة، تزيد صراعاتنا ضد بعضنا، ويرتفع مؤشر الغضب الإجتماعي، وتزداد الشجارات العائلية، والتنافس الضار في مجال العمل، والإرهاب الإليكتروني على الانترنت، وتكتظ المحاكم، ويتجرأ المتطرفون ليختطفون الأطفال ويتحرشون حتى بالحيوانات، وينتحرون ويقتلون الابرياء، ومما يزيد الطين بلّة، تكاثر غير محمود لأنواع من المعلقن الإعلاميين المستهزئين الساخرين لكي يتقيئون علينا بضراوة من أجل زيادة مكاسبهم. أو تحقيق أجندتهم الخاصة.
ويرى البعض أن حكومتنا الحالية لديها مجلس كهنة من قدامى الحواة. كل مهمته التخطيط لهذا النوع من السيناريوهات. ووضع خطط التنفيذ المدروس
وأنا إذ أعتبر هذا الاسلوب يتسم بالمناورة والتلاعب من أجل الوصول لأهداف خفية، بتجربة نظريات نفسية واجتماعية للسيطرة على العقول مثل نظرية "وضع أجندة الأهتمام" أو نظرية النوافذ المحطمة" او التأثير النائم لإقناع الناس بقبول ما لا يقبلونه بسلاح الوقت. لكنني أعترف بنجاحهم حتى الآن على الطريقة الميكيافيلية.
إن ملف تعديلات القانون القديم، او وضع قانون العلاقة الإيجارية الجديد، ملف مشبّع برائحة الأجندات الخاصة، وتصارع الآراء بين مصالح "نحن" و "هم". والنفاق المتبادل بين الاطراف ذات الصلة.
لذا يكمن الحل من وجهة نظري في الاستناد إلى اسلوب جديد في رؤية المشكلة وتتبع جذورها ودراسة ابعادها الاجتماعية والسياسية والأمنية، وفوق ذلك الإنسانية بما يخص الطرفان اصحاب القضية.
ولأن حل مشاكلنا الأكثر صعوبة يستلزم منا إحداث تغييرات جذرية في طريقة تفكيرنا.
ولأن معظم الصراعات لها وجهان، ونحن معتادون على التفكير بأسلوب "نحن" و "أنتم". وما ينتاب ذلك من شكوك متبادلة، ودوافع متعارضة. وفي مواجهة تعديلات هذا القانون، وضعت السلطات (المستأجر ضد المالك)، وحاولت وضع قانون عام قد لا يرضى الطرفين. ونحن لا نريد حل وسط قاصر عن إرضاء أي طرف.
نريد حل إبداعي ينظر للمشكلة من كل الزوايا، ويضع في اعتباره إذا كان لدينا ثلاثة مليون وحدة، قد يمتلكها نصف مليون مالك (تبسيطا)، ويقابلهم ثلاثون او اربعون مليون منتفع ومستأجر. هذا من ناحية.
وأن تنظر الأجهزة التشريعية من منظور الشعب الذي تمثله وليس من منظور الحكومة التي تريد التخلص من (القرد) الذي يمثل المشكلة. وتخلق مشكلة اكبر للحكومات التي تليها.
لننتظر رأي مجلس النواب لنرى كيف ينظر للحلول المقترحة.