مدحت الشيخ يكتب : أمراض اجتماعية خطيرة


نعيش هذه الأيام حالة أشبه بـ"العدوى المجتمعية الشاملة"، أمراض سلوكية واجتماعية تتفشّى بلا روادع، وتنتشر كالدخان في سماء خانقة، لا نعرف من أين بدأت، لكننا جميعًا نُدرك أننا وسطها، وأنها تحاصرنا دون استثناء.
من بلطجة مقننة تُمارس في وضح النهار، إلى تحايل ممنهج على القوانين والأنظمة، إلى تزييفٍ متعمّد للوعي العام تحت لافتات براقة وشعارات جوفاء. الكارثة لا تكمن في وجود هذه الظواهر – فقد عرفتها المجتمعات في مراحل مختلفة – بل في تحولها إلى "أعراف بديلة"، إلى ما يشبه القانون الموازي الذي يُدار به الشارع، وتُحكم به العلاقات، ويُربّى عليه الجيل الجديد.
لقد صارت القبح له أنصار، والانحراف له نجوم، والبذاءة لها جمهور. لم تعد الجريمة تَستتر، بل تُزيّن وتُسوّق، تُعرض على الشاشات وتُروّج على منصات التواصل، حتى بات الرمز الأخلاقي يُعدّ كائنًا منقرضًا، لا محل له من الإعجاب ولا موقع له في الترند.
ثم نأتي إلى اللغة...
لغةٌ كانت يومًا عنوانًا للهوية ومخزنًا للثقافة، تحوّلت اليوم إلى خليطٍ هجين من مفردات شوارع، وإيحاءات مبتذلة، وكلمات دخيلة لا طعم لها ولا مرجعية. صرنا أمام جيل يتحدث لغة لا يفهمها الآباء، ويكتب رسائل لا تترجمها القواميس، وكأن هناك مؤامرة خفية لاجتثاث الروح من اللسان.
أما التعليم، فقد تحوّل من مصنعٍ للعقول إلى مصنع للشهادات. نُخرج أجيالًا تحفظ "البوستات" ولا تفهم المقالات، تردد شعارات لا تؤمن بها، وتبحث عن النجاح بأي وسيلة... إلا العلم.
الخطير في كل ما سبق، أن المجتمع لا يبدو غاضبًا... بل يتكيف!
تعودنا، ورضينا، وصارت القيم مجرد فقرة في المناهج، لا تُدرّس إلا على استحياء، ولا تُمارس إلا في الاحتفالات الرسمية.
الصمت هنا ليس موقفًا محايدًا، بل شراكة كاملة في الجريمة.
حين نصمت على البلطجة، نشارك فيها.
حين نضحك على النصب، نُروّج له.
حين نُطبع مع القبح، نقتل الجمال عمدًا.
المرحلة الراهنة لا تحتمل المجاملة، ولا التجميل.
نحن بحاجة إلى انتفاضة مجتمعية شاملة، تُعيد ضبط البوصلة، وتعيد الاعتبار للقيم والمعنى واللغة والهوية.
وإن لم نفعل، فسنُسلّم الجيل القادم "أرضًا بلا ملامح، وهوية بلا روح، ومجتمعًا يَتَمثّل البلطجة، ويستهزئ بالقانون، ويستهين بالأخلاق".
عندها لن نكون قد خسرنا الوطن فقط... بل خسرنا أنفسنا.