د. نهال أحمد يوسف تكتب : المسرح المصري وكلمة الـ”زيرو”


شهدت مصر أمس افتتاح المهرجان القومي للمسرح المصري، الذي انطلق تحت شعاره الملهم "في كل مصر"، مؤكداً بذلك على اتجاه محمود وغاية في الأهمية تسعى إليه إدارة المهرجان برعاية وزارة الثقافة ورئاسة الفنان محمد رياض. إنها فكرة تتجاوز مركزية العاصمة، لتمتد أيادي الدعم والاهتمام بالمسرح القومي ومسارح مصر إلى باقي المحافظات، عبر إقامة ورش للتدريب وصقل المبدعين، ومنحهم الفرصة التي طالما استحقوها. هذا التوجه، الذي يشارك فيه عدد كبير من المبدعين والفنانين المخلصين لأهمية ودور المسرح المصري، يعد خطوة بناءة نحو إثراء المشهد الثقافي وتوسيع قاعدة الإبداع الفني في ربوع الوطن.
افتُتح المهرجان بعرض مسرحي لخالد جلال ومجموعته، والذي جاء خفيفاً، وربما كان يمكن بناءه بشكل أقوى يليق بافتتاح مهرجان للمسرح المصري، فلم يكن على نفس ثقل المسرح المصري العريق.تلتها فقرات تقديم وتسليم المكرمين. كانت لفتة جميلة ومحمودة وذكية جداً أن التكريمات لم تقتصر على الفنانين فحسب، إنما شملت الكتاب والمخرجين أيضاً، في اعتراف شامل بمنظومة الإبداع المسرحي المتكاملة. ومن بين المكرمين، كان الفنان أشرف عبد الباقي، الذي أتيحت له مساحة لكلمة سريعة أثناء تسلمه جائزة التكريم. ورغم التقدير الشخصي لأعمال عبد الباقي المختلفة، وربما بعض التحفظ على "مسرح مصر"، إلا أن كلمته حملت تصريحاً غير موفقاً، حيث تناول ضرورة الاهتمام بالمسرح الخاص، معتبراً أن تجربته كانت بداية يأمل أن يكملها القادمون، وأنهى كلمته بتصريح جريء بأن "المسرح الخاص حالياً زيرو".
هذه الكلمة، في تقديري، أخطأ فيها عبد الباقي كثيراً، وتفتقر إلى الدقة. فكيف يمكن القول بأن المسرح الخاص "زيرو" بينما مسرح الفنان الكبير محمد صبحي قائم منذ سنين طويلة، وعروضه لا تتوقف، وتحقق كامل العدد من الجماهير؟ هذا الواقع الملموس، الذي لا يمكن إنكاره، يقف برهاناً قاطعاً على حيوية المسرح الخاص وقدرته على الاستمرارية والنجاح بعيداً عن أضواء المسرح التجاري أو الحكومي. إن تجربة صبحي هي تجربة ثرية جداً، تمثل نموذجاً للمسرح الخاص الجاد الذي يقدم فناً ذا قيمة ومضمون. وقد يكون هذا التصريح قد أغفل عمداً أو سهواً هذه القامة المسرحية، خاصة وأن صبحي كان ناقداً قوياً لتجربة "مسرح مصر"، واعتبرها ليست مسرحًا بالمعنى الحقيقي أو "المتكامل بمعناه العظيم"، بل ربما عروضاً خفيفة تعتمد على المونولوج الفردي وقفشات الموقف. ورغم أن "مسرح مصر" كان له جمهوره العريض وساهم في إخراج شباب ممثلين شقوا طريقهم في التمثيل بعد ذلك، إلا أن هذا لا ينفي أن قيمة المسرح تكمن في عمقه وتكامله الفني. في هذا المحفل الوطني الكبير، الذي يقام في دار الأوبرا المصرية، وفي إطار المهرجان القومي للمسرح المصري الذي يحتفي بتاريخ المسرح المصري العريق، كان لابد من التفكير ملياً فيما يُقال، لأن قيمة هذا المهرجان لا يمكن ذكرها دون الإشارة إلى قامات وتجارب أثرت المسرح الخاص، وعلى رأسها تجربة محمد صبحي.
إن المهرجان القومي للمسرح المصري، بشعاره الجديد وتوجهه نحو اللامركزية، يؤكد على أن المسرح المصري ليس حكراً على العاصمة، لكنه ملك لكل مبدع وجمهور في كل بقعة من أرض مصر. وهو بذلك لا يحتفي بالحاضر فحسب، بل يمد جسوراً للمستقبل، مستلهماً من إرث الماضي الثري، ومؤكداً على أن قيمة المسرح تكمن في قدرته على احتضان كل التجارب والرؤى، ليبقى منارة للفن والتنوير في "كل مصر".