بين تونس والعالم العربي: قصص لا يرويها الإعلام


هناك عالم كامل من القصص والتجارب المشتركة بين تونس والعالم العربي لا تجد لها مكاناً في نشرات الأخبار أو عناوين الصحف.
في هذا المقال، أفتح نافذة على هذه الروابط التي تتشكل بعيداً عن الأضواء، حيث تصنع التحديات اليومية والنجاحات الصغيرة هوية مشتركة تجمع شعوب المنطقة.
ستجد هنا حكايات أشخاص ومبادرات لم تفرض نفسها على المشهد الإعلامي، لكنها تترك أثراً عميقاً في النسيج الثقافي والاجتماعي بين تونس وجيرانها العرب.
سنسلط الضوء على الأصوات التي نادراً ما تُسمع، ونشارك تفاصيل الحياة اليومية بعيداً عن العناوين الجذابة والقصص المكررة، لنكشف عمق العلاقات الإنسانية الحقيقية في عالم عربي متعدد الطبقات والخبرات.
جسور التواصل الخفي بين تونس والعالم العربي
رغم ما يبدو أحياناً من تباعد في السياسات أو اختلافات في تفاصيل الحياة اليومية، إلا أن هناك شبكة معقدة من الروابط غير المرئية تجمع تونس ببقية الدول العربية.
هذه الجسور تظهر بوضوح في التبادل الثقافي والتعاون الفني، وأيضاً في السياحة التي تخلق تداخلاً ملموساً بين العادات واللهجات وحتى المأكولات.
بعيداً عن الصخب الإعلامي، تجد الكثير من الشباب التونسي والمغاربي يكوّنون صداقات متينة مع شباب من الخليج أو الشام عبر برامج التبادل الدراسي أو خلال رحلات العمل.
ما يلفت الانتباه في السنوات الأخيرة هو حضور الفضاءات الرقمية كحلقة وصل فعالة بين مجتمعات لم تتح لها الظروف الالتقاء وجهاً لوجه.
منصات الألعاب الإلكترونية والمواقع الترفيهية باتت ساحات لنقاشات يومية حول الموسيقى والرياضة وحتى السياسة أحياناً، بعفوية أكبر من تلك الموجودة على منصات التواصل التقليدية.
من بين هذه المنصات يبرز كازينو زووم تونس، الذي أصبح ملتقى افتراضياً يجمع مستخدمين عرب من مشارب مختلفة حول شغف واحد: التسلية واللعب، لكن أيضاً تبادل القصص والتجارب الشخصية بعيداً عن القيود الاجتماعية.
هذه التفاصيل الصغيرة تشكل جزءاً مهماً من واقع عربي مشترك قلما يلتقطه الإعلام التقليدي؛ حيث تُبنى الجسور الحقيقية ليس فقط عبر الاتفاقيات الرسمية بل عبر اللقاءات العفوية اليومية، سواء في مقهى بتونس العاصمة أو في غرفة دردشة على الإنترنت تجمع شباباً من عمّان وتونس وجدة والدار البيضاء.
قصص نجاح تونسية لا يسمع عنها الإعلام العربي
خلف العناوين الكبرى، يواصل التونسيون كتابة فصول جديدة من النجاح في مجالات تتجاوز حدودهم الجغرافية.
هذه النجاحات كثيراً ما تغيب عن الشاشات والمنصات العربية، رغم تأثيرها الحقيقي على المجتمعات المحيطة.
سواء في ريادة الأعمال، أو بفضل مبادرات نسائية متميزة، أو عبر الإبداع الثقافي، يظهر جيل تونسي يتحدى المعوقات التقليدية ويصنع بصمة خاصة في فضائه العربي.
من تجربتي مع رواد الأعمال الشباب، لاحظت أن شغفهم بالتغيير يدفعهم لاختراق الأسواق الإقليمية حتى وإن غابت الأضواء عن إنجازاتهم.
ما يجمع هذه القصص هو رغبة مشتركة في تجاوز الصعوبات وبناء جسور حقيقية مع العالم العربي، بعيداً عن السرد الإعلامي السائد الذي غالباً ما يهمل التفاصيل الإنسانية العميقة وراء كل نجاح.
ريادة الأعمال: قصص من قلب العاصمة والأرياف
في السنوات الأخيرة، شهدت تونس طفرة ملحوظة في مجال ريادة الأعمال رغم التحديات الاقتصادية والبيروقراطية المتواصلة.
تعرف بعض المشاريع الناشئة التي انطلقت من أحياء العاصمة أو حتى قرى صغيرة انتشاراً تدريجياً خارج تونس لتصل إلى أسواق خليجية ومغاربية.
من أمثلة ذلك شركات تكنولوجيا زراعية طورت حلول ري ذكية تلائم المناخ التونسي والمغربي معاً، أو تطبيقات مالية يستخدمها آلاف الشباب العرب ممن لا يملكون حسابات مصرفية تقليدية.
اللافت هنا أن أغلب هذه المبادرات تلقى الدعم من شبكات محلية ودولية بدلاً من الاهتمام الإعلامي المحلي أو العربي. تحدثت مرة مع أحد المؤسسين فقال لي إن أكبر تحدي ليس التمويل بل كسر الحاجز النفسي والإقليمي والانطلاق بثقة إلى أسواق عربية أخرى رغم قلة الموارد.
هكذا تبني قصص الريادة هذه جسور تعاون اقتصادي جديدة بين تونس وجيرانها العرب وتخلق روح منافسة إيجابية قد تغير شكل السوق مستقبلاً.
المرأة التونسية: إنجازات تتجاوز الحدود
لا يمكن الحديث عن النجاح التونسي دون ذكر الدور الرائد للمرأة التي أثبتت حضورها القوي عربياً في مجالات عديدة رغم قلة الاعتراف الإعلامي بذلك.
في قطاع التعليم والتكنولوجيا تحديداً ظهرت أسماء تونسية بارزة؛ فهناك باحثات ومهندسات أصبح لهن وزنهن في جامعات خليجية ومؤسسات إقليمية مرموقة.
الفنون أيضاً ساحة تفوقت فيها نساء تونسيات بتأسيس مبادرات ثقافية مستقلة وقيادة مشاريع سينمائية أو تشكيلية وصلت مشاركاتها لمهرجانات عربية كبرى دون أن تحظى بكثير من الإشادة المحلية. تحدثت ذات مرة مع فنانة شابة حكت لي كيف أصبحت أعمالها مصدر إلهام لفتيات مغربيات ولبنانيات يتابعن تجاربها عبر منصات التواصل وليس الصحافة التقليدية.
هذا الحضور النسائي يمنح صورة أكثر واقعية وحيوية عن مكانة المرأة التونسية عربياً ويكسر الكثير من القوالب النمطية التي تروج لها بعض وسائل الإعلام.
الإبداع الثقافي والفني: من تونس إلى العالم العربي
المشهد الثقافي والفني في تونس ظل لعقود أحد منابع التجديد والابتكار عربياً، ومع ذلك تمر إنجازاته غالباً تحت رادار الإعلام التقليدي.
من المسرح التجريبي إلى المهرجانات الموسيقية المستقلة ومن الرواية إلى السينما البديلة، ساهم الفنانون التونسيون في إدخال رؤى جديدة أثرت المشهد الإبداعي العربي بشكل واضح. أتذكر جيداً كيف ألهم عرض مسرحي تونسي جيلًا كاملًا من المخرجين الشبان بمصر والأردن لتبني لغة مسرح أكثر قربًا من نبض الشارع وهموم الناس البسيطة.
كما أطلقت مجموعات شبابية حملات ثقافية عابرة للحدود حول قضايا الهوية والحرّيات وجدت صدى واسعًا لدى شباب المغرب والخليج على حد سواء. الغريب هنا أن انتشار هذه الأعمال يأتي عبر التوصيات الشخصية وشبكات التواصل بدل تغطيات الصحف والنشرات التلفزيونية المعتادة، مما يمنح الحراك الثقافي صداه الخاص بعيداً عن سطوة الرقابة والأطر الرسمية للإعلام العربي التقليدي.
تحديات مشتركة: ما لا يُقال عن الواقع اليومي
وراء العناوين السريعة في الإعلام، يواجه التونسيون وجيرانهم العرب تحديات متشابهة لا تُختزل في كلمات قليلة.
البطالة، الهجرة، وصعوبات التعليم ليست مجرد أرقام أو تقارير رسمية، بل هي تجارب يعيشها الناس كل يوم في تفاصيل حياتهم.
في المقاهي الشعبية أو عبر رسائل الواتساب، تجد النقاشات حول فرص العمل الضائعة، وخطط الهجرة المؤجلة، ومحاولات تطوير الذات رغم قلة الإمكانيات.
هذا التبادل غير الرسمي للخبرات والحلول يعكس عمق الترابط بين شعوب المنطقة رغم اختلاف اللهجات والظروف.
قصص النجاح والفشل تنتقل من تونس إلى المغرب ومصر ولبنان، وتبقى خارج دائرة الأضواء التقليدية غالباً.
الهجرة غير النظامية: قصص إنسانية بين الضفتين
وراء كل مركب صغير يغادر شواطئ تونس أو ليبيا حكاية بحث عن الأمل وحياة أفضل.
شاب من سوسة يحكي كيف جمع مصروف السفر مع أصدقائه على مدى شهور، وأم جزائرية تروي مشاعر القلق بعد أن اختفى ابنها بين الموج والحدود الأوروبية.
هذه التجارب ليست حالات فردية فقط، بل تمثل ظاهرة تمتد من مصر إلى المغرب وصولاً إلى سوريا.
الكثير ممن خاضوا هذه الرحلات تحدثوا عن صدمات الطريق ولحظات اليأس والتضامن الإنساني بين الغربة والخوف.
المؤلم أن أغلب هذه القصص تبقى همساً في البيوت أو منشورات مقتضبة على صفحات التواصل الاجتماعي دون اهتمام إعلامي جاد بحقيقة المعاناة والآمال خلف الأرقام.
التعليم والتوظيف: ابتكارات وحلول من الواقع
رغم صعوبة البطالة وتراجع جودة التعليم في عيون كثير من الشباب العربي، تظهر مبادرات مبتكرة بعيداً عن تغطية الأخبار الرئيسية.
في حي شعبي بتونس العاصمة مثلاً، أسس شباب نادياً لتعليم البرمجة للصغار باستخدام أجهزة مستعملة وتطبيقات مجانية تم تبادلها مع أصدقاء من الأردن وفلسطين عبر الإنترنت.
جامعات خاصة في المغرب بدأت مشاريع تدريب مهني رقمي بالتعاون مع رواد أعمال تونسيين يرغبون بإحداث فرق حقيقي بعيداً عن الشهادات الورقية التقليدية.
هذه المبادرات تعبر الحدود دون ضجيج إعلامي، ويستفيد منها المئات بفضل شبكات تواصل شخصية وجمعيات محلية تدعم الأفكار خارج إطار المناهج الرسمية والصورة النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام التقليدية.
الإعلام البديل: أصوات جديدة تروي الحكاية
مع تراجع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، برزت منصات إعلامية بديلة ومنتديات رقمية تمنح فرصة للأصوات غير المسموعة.
هذه المنصات لا تخضع للرقابة المعتادة ولا تلاحق العناوين المثيرة فقط، بل تركز على القصص الواقعية اليومية التي تعكس نبض المجتمعات.
في تونس والدول العربية، أصبحت هذه الفضاءات ملاذاً للباحثين عن صدق التجربة وتنوع الرأي، حيث يمكن للشباب والنساء وأصحاب الأفكار الجديدة مشاركة رؤيتهم بلا قيود.
الإعلام البديل جعل نقل القصص بين تونس والعالم العربي أكثر قرباً وإنسانية، ففتح المجال لنقاش قضايا كانت مغيبة مثل الهجرة والتغيير الاجتماعي والمبادرات المحلية الصغيرة.
النتيجة أن صورة تونس والعالم العربي باتت أكثر تنوعاً وعمقاً بعيداً عن القوالب النمطية القديمة.
منصات التواصل الاجتماعي: الحكاية بعيون الشباب
أصبح فيسبوك، إنستغرام وتويتر مساحة رئيسية يروي فيها الشباب التونسي والعربي تفاصيل يومهم دون رقابة مشددة أو فلترة الأخبار.
يشارك هؤلاء قصص النجاح والفشل والتحديات من قلب المدن والأحياء وحتى الريف، ويوصلون تجاربهم بشكل حي وواقعي للمتابعين داخل الوطن وخارجه.
هذه المنصات حولت الفرد إلى مصدر للمعلومة وقوة فاعلة في النقاش العام، وهو أمر كان نادراً قبل سنوات قليلة فقط.
في رمضان 2024 مثلاً، انتشرت مبادرات اجتماعية تونسية عبر مجموعات واتساب وصفحات فيسبوك بسرعة كبيرة ووصلت إلى متابعين عرب من المغرب حتى العراق، ما ساهم في تبادل الدعم والأفكار بشكل مباشر وعابر للحدود.
البودكاست واليوتيوب: قصص من الهامش إلى الواجهة
خلال الأعوام الماضية ظهر جيل جديد من المبدعين الذين اختاروا البودكاست ويوتيوب لرواية تجاربهم الشخصية وقضايا مجتمعهم بطرق صادقة وحميمية.
برامج بودكاست تونسية مثل "حديث الشارع" تقدم شهادات مواطنين لم تظهر يوماً على شاشات التلفزيون الرسمي؛ بينما حققت قنوات يوتيوب لشباب تونسيين وعرب ملايين المشاهدات رغم غياب أي دعم مؤسسي حقيقي لهم.
هذه المساحات سمحت لأصحاب القصص التي عادةً ما تُهمل أن يجدوا جمهوراً واسعاً يتفاعل معهم، ويغير الصورة النمطية عما يحدث داخل تونس والدول العربية الأخرى.
ملاحظة: قوة هذه المنصات تكمن في الاستمرارية والجرأة على طرح مواضيع محظورة أو مهمشة دون الخوف من مقص الرقيب التقليدي.
خاتمة: نحو سردية عربية أكثر شمولاً
الكثير من القصص التي تجمع بين تونس وباقي العالم العربي تظل بعيدة عن دائرة الضوء، رغم أنها تعكس جوهر العلاقات الحقيقية التي يعيشها الناس يومياً.
هذه القصص تكشف عن تشابه التحديات وتنوع التجارب الإنسانية بعيداً عن الصور النمطية التي يروجها الإعلام التقليدي.
من خلال دعم منصات السرد البديلة وتشجيع الأصوات الجديدة، يمكننا بناء سردية عربية أكثر واقعية وشمولاً تعبر عن جميع فئات المجتمع.
فتح المجال لهذه الحكايات يساهم في تقريب الشعوب ويوفر مساحة لفهم أعمق لمجتمعاتنا، بعيداً عن الأحكام السريعة والعناوين المكررة.
في نهاية المطاف، قوة المجتمعات العربية تكمن في قدرتها على الاستماع لبعضها البعض ورواية قصصها كما هي، بلا تصفية أو تهميش.