السبت 27 يوليو 2024 04:36 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

هند منصور تكتب : رسالة موتى غزة إلى قلوب البشر

الكاتبة الكبيرة هند منصور
الكاتبة الكبيرة هند منصور

كلما شاهدت فظاعة مايحدث فى غزة للأطفال والنساء والشيوخ ..أشعر بانقباض بل انكسار في قلبى..فنحن أمام مأساة إنسانية كبيرة فى ابشع صورها..أشلاء أطفال تتناثر فى الشوارع أو تدفن تحت الأنقاض..صرخات أمهات تدمر القلوب..انين شيوخ يجعل الأحجار تتحرك تعاطفا معهم.
يذوب الحدث فى شاشات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى؛ ترسانة السلاح الإسرائيلية والأمريكية أخرجت ما فى جعبتها من قنابل وصواريخ بمتفجرات وفسفور أبيض لتخترق الأنفاق وتنزل على المستشفيات والملاجئ والمخابز والمدارس فى استهداف غير مسبوق ومتعمد للأحياء، أى جحيم هذا؟! عائلات بأكملها تقتل ومجتمع برمته يخضع للتهجير وللإبادة البربرية، أطفال لم يتسنَ لهم حلم طفولة أو فسحة لعب ودراسة يلقون حتفهم فى أتون محرقة إسرائيلية أمريكية غربية.
تتراص الجثث، يحتضن الموتى بعضهم بعضا يرقدون فى أحضان الأرض المعمدة بالدم رافضين قرار التهجير الصهيونى والشوارع العربية تصرخ فيهم لانقاذ شعب صابر، ولتوقف المجازر، ولتصرخ الضمائر ضد العدو الغاشم..»، فهنا الأرض، هنا فلسطين التى تعيش الرعب فى مدنها وبلداتها وفى كل مرفأ ومعبر وعمارة وخيمة وملجأ، شوارع وطرقات تجرف وأبنية تنهار على رءوس قاطنيها، عدوانا على المدنيات والمدنيين الأبرياء، أشلاء تتناثر فوق الركام وتحته، لا صور فى التجليات تختلف فى تاريخ الوجع الفلسطينى، فالمشهد يتساوق وخططهم وسياساتهم واستراتيجياتهم.
بشاعة الموت، رائحة البارود، بقايا الفسفور الأبيض على أجساد الصغار، أشلاء تتناثر فى شوارع الموت عند أبواب المتشفيات داخل سيارات الإسعاف، كل شىء مستباح وبما يفوق الوصف وخارج الإدراك، وأكاذيبهم تتحاشى حقيقة الموقف وسردية الحكاية، تستنزف الوقت وتتضاعف معها الهستيريا التى ما فتئت تتمدد وتتكرر يوميا؛ تارة فى ميدان محرقة غزة، وأخرى فى أروقة مجلس الأمن ومساجلاته حامية الوطيس حول الإغاثات والمساعدات، والمجلس عاجز عن إيقاف القتل والدمار، إننا أمام مآزق بشرية تعبر عن نفسها بلا استحياء ولا أخلاق.
نشاهدهم هاربين من بيوتهم إلى بيوتهم إلى قبورهم يتوسدون مفاتيح العودة، رافضين التهجير والتوطين، لا وقت لديهم للبكاء لا مكان للنحيب أو الاستنجاد، فمن حولهم خدر، صم بكم تبلدت مشاعرهم عن الصراخات والنداءات، إنه وقت الصلاة على الموتى، وقت النشيد لهم. هلع الصغار ورعشات أجسادهم من البرد والانفجارات، بكاؤهم يفطر القلب وسط الخراب، نعيش الوقت الأكثر فظاعة والأعنف فى أبعاده التى نتجرعها سما عبر الشاشات، غصة سيتوارثها الشعب الفلسطينى فى سرديته لأجيال، هنا سقطت الأرض واغتيلت الطفولة، وذاكرة المكان يستحيل أن تمسح.
تعاظمت فلسفة التبرير والتحليل والتنظير، يتكلمون ببداهة وغرابة وتجهيل، أو بصمت صاخب مريب يعبر عن فانتازيا الجحيم، فهم سيقدمون المساعدات ويشيدون المستشفيات والمدارس بعد أن تنتهى الحرب، بعد أن تسوى غزة بالتراب فلا يعود فيها من يذهب إلى هذه المدارس والمستشفيات، ورغم ذلك فعند أسوار فلسطين الحبيبة وعلى عتبات أبوابها يصيح المنادى «حيا على الجهاد، حيا على الكفاح.. إنها الكلمة العليا»، فلا حياد فأنت إما مع الفلسطينى أو مع العدو الصهيونى المحتل».