شبراوى خاطر يكتب : اللي على البر عوام


سألني صديق ذات مرة: أراك ناقم على اوضاع كثيرة لا تعجبك، وتنتقد زمانك، وأخلاقيات العصر، ولا يعجبك أغلب صنّاع القرار في السياسة والاقتصاد وإدارة الشركات ومدرب النادي الأهلي، ولا حتى بواب العمارة التي تسكنها، وتعبر عن إستيائك من بعض القابعين على مقاعد السلطة لعدم فعاليتهم وكفائتهم، وحتى أنك تنتقد الخانعين التابعين لهم وهم كُثر.
وواصل سؤاله: هل تعتبر ذلك آفة تميز هذا العصر الذي تعيشه؟
فأجبته قائلاً: كثيراً ما أقول بأننا نعيش عصر عشوائية التوكتوك وثقافة أغنيات المهرجانات، وإنتشار كل أنواع التلوث البصري والصوتي والذوقي.. والدرامي والإعلامي والثقافي
وواصلت حديثي قائلاً: أوَ تعلم، أنني منذ صغري وأنا أرى اوضاعاً لا تعجبني، وأقصّ عليك حكاية هزلية وعبثية؛ فأنا عشت في زمن في آواخر الثمينيات، كنت ارى فيه شاباً يافعاً يسير مهرولاً في شوارع جاردن سيتي كل يوم، ويعلن للناس خبر عاجل ويقول بصوت عالٍ: "الجمعية فيها فراخ" ويحث الناس على الإسراع إلى الجمعية قبل أن تنفذ الفراخ.
لقد فقد عقله صاحبنا هذا!! لأنه في هذا الوقت، كانت أزمة الفراخ مستشرية، ولا نجد إلا الفراخ المجمدة في الجمعيات وكان سعر الفرخة كاملة حوالي ثلاثة جنيهات، ولكن لا توجد فراخ، ولا توجد الجنيهات الثلاثة. هذا كان يحدث في بداية التسعينيات. وبعد أكثر من خمسة وثلاثين سنة، لم يتغير الوضع إلا في حالة تحقيق نصف الحل: وهو توفر الفرا، وندرة الثلاثمائة جنيهاً قيمة الفرخة الواحدة.
لكن ما علاقة هذه الحكاية بموضوعنا ؟
أقول لكم: مصر لم تعدم منذ زمن بعيد أن يتسيد أمورها بعض أضأل أبناؤها. وكان ولايزال يتحكم في الكثير من امورها الأشخاص الأقل علماً وحكمة.. ولكنهم أهل الثقة، وهذا ما يراه كثير من الناس، وفي حقيقة الأمر، معظم من ينتقدوا الأوضاع (وأنا منهم) ربما لو أُسندت إليهم مسؤولية الإدارة والقرار، قد يكونوا أسوأ من هؤلاء الذين ننتقدهم.
ما أسهل النقد والإنتقاد، لأنه كما يقول المثل الشعبي: "اللي على البر عوام"
ويمكننا نحن المشككين والمنددين والمنتقدين أن ننضم إلى واحد من أعظم شعراء بغداد في زمن الدولة العباسية، وهو يقول حكمته الشهيرة:
رأيت الدهر يرفع كل وغد
ويخفض كل ذي شيم شريف
كمثل البحر يغرق كل حي
ولا ينفك يطفو فيه جيفه
كذا الميزان يخفض كل وافٍ
ويرفع كل ذي زنة خفيفة.
لذا فإن المسألة لا تخص عصرنا الحالي أو جيلنا، هذه طبيعة بشرية فينا كعرب لا يمكن تجنبها، ومن الطبيعي الإذعان لها وأن نتقبلها ونقبلها.