الإثنين 7 يوليو 2025 11:23 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : قوة التأثير

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

بالتأكيد، سمعنا كثيراً كلمة "الأثر"، ومنها التأثير، والمؤثّر، والتأثّر، والأثير، وربما سمعنا عن بعض المفاهيم التي تحمل كلمة "تأثير" مثل تأثير الفراشة، تأثير ماتيوس، تأثير الهالة، تأثير التعرض المحض، وتأثير بيجماليون، إلى آخره.
وكل مفهوم منهم يحمل أفكار تحكم طريقتنا في التفكير و"تؤثر" على نظام حياتنا، ومن الجيد أن نعلم عنها ما غمض، وكيف نشأت، وكيف نجعلها جزء من اسلوب تفكيرنا ونظام علاقاتنا وطريقة حياتنا.
ولنبدأ أولاً بمعنى كلمة "تأثير":
فما هو التأثير؟

لدينا كلمتان نخلط بينهما في كثير من الأحيان، وهما: التأثير. والإقناع. ولكنهما أمران مختلفان تمامًا.

البعض يقول أن التأثير هو.. "قدرتك على دفع الناس إلى فعل ما تريد منهم فعله، أما الإقناع فمصدره القناع، وهو الشئ الذي يستر الوجه، فقد يقتنع المرء بالفكرة اختياراً او إكراهاً حسب قوة المُقنِع، وهو لا يزال رافض للفكرة ولكن يُخفي موقفه الكامن.

وكما قال "بوب برج" في كتابه قائد العطاء بأن كلمة "التأثير" تعني تدفقًا مرئيًا للقوة. ولقد استُخدمت لأول مرة في العصور الوسطى، كمصطلح فلكي، وهي مشتقة من كلمة فرنسية قديمة تعني قوة أثيرية متدفقة من النجوم تؤثر في شخصيتنا أو مصيرنا!

ومن ذلك أننا نصف موجات الإذاعة أو الراديو غير المرئية بموجات الأثير.

وبحلول القرن الخامس عشر، استُخدمت الكلمة للدلالة على ممارسة البشر للقوة الشخصية. يمكنك القول إنها تصف كيف نمارس قوة الجاذبية على بعضنا البعض. مثل النجوم.
هذا ما يُكوّن التأثير. وهذا ما تفعله الجاذبية. وهذا ما تفعله النجوم - إنها تجذب.
لهذا السبب لا نتحدث عن مقدار الدفع الذي قد نمارسه مع الناس والذي نمارسه من خلال "الإقناع"، بل عن مقدار الجذب. لذا فالدفع يمثّل محاولات الإقناع والتي غالباً ما تبوء بالفشل.
ولذا فإن الجذب هو جوهر التأثير. وليس الدفع.

ولنبدأ هنا بمفهوم "تأثير بيجماليون" على سبيل المثال:

تأثير بجماليون
(Pygmalion effect)
هو ظاهرة نفسية يظهر فيها ارتفاع آداء الفرد بسبب توقعات الآخرين الإيجابية عنه، وسمي هذا التأثير نسبة إلى مسرحية "بجماليون " للأديب والمفكر الأيرلندي الشهير "جورج برنارد شو" ١٨٥٦-١٩٥٠، مستوحيا القصة من الأسطورة الإغريقية بجماليون وهو النحات الذي وقع في غرام التمثال الفاتن الذي نحته.

وحسب موقع "سيكولوجي توداي"
فإن "تأثير بجماليون" هو شكل من أشكال "النبوءة ذاتية التحقق"، وهذا يحدث عن طريق اقتناع الأشخاص بتوقعات من حولهم بقدراتهم الإيجابية، وبالتالي يقومون بأداء أعمالهم بشكل يتماثل مع تلك التوقعات مما يسهم في تفوقهم.

ويظهر ذلك جلياً في ساحات الرياضة وبين طلاب المدارس، وفي مجال الإدارة، والتنشئة الأسرية وغير ذلك.

ولقد أظهرت دراسة لعالم النفس "روبرت روزنتال" ١٩٦٨ أنه عندما يتم إقناع المعلمين بأن أداء بعض الطلاب استثنائي، سيؤدي ذلك إلى نتائج أفضل لهؤلاء الطلاب، بالرغم من ان اختيار الطلاب كان عشوائيا من البداية. وتؤكد تلك الدراسة أن الواقع من الممكن أن يتغير بناء على توقعات وتحيزات الآخرين. ويرجح الباحثون أنه بناءً على هذه التحيزات تنشأ النبوآت ذاتية التحقق. ويكمن الأمر ببساطة في الحفاظ على توقعات إيجابية حول أداء شخص ما والإيمان الحقيقي بقدراته، حيث يؤثر ذلك التوقع بشكل خفي ولكن قوي على سلوك ذلك الشخص، ما يؤدي إلى نتائج إيجابية.

كما أظهرت الأبحاث اللاحقة حول تأثير التوقع (حُسن الظن) أنه ينجح مع البالغين أيضًا. في العلاقات الشخصية، يمكننا بالفعل تحسين سلوك شريك الحياة من خلال التمسك بتوقعات إيجابية تجاهه والإيمان بقدرته على تحقيق النتيجة المرجوة.

كما كشفت الدراسات عن أنه إذا تمسك المشرفون أو المديرون بتوقعات إيجابية حول أداء أولئك الذين يقودونهم، معتقدين أنهم قادرون على حل مشكلة صعبة، فإن الأداء يتحسن.

ويندرج هذا المفهوم ضمن مشاعر "حُسن الظن"، فماذا عن عكس ذلك، ماذا عن سوء الظن؟

ماذا إذا كان لدينا توقعات سلبية بالفشل للفرد أو بفشل المجموعة فسيؤدي ذلك إلى ضعف الأداء الذي قد يؤدي إلى الفشل أو ما يُعرف بتأثير غولم
(Golem effect)، وهو يرمز لتلك الشخصية الأسطورية في سلسلة أفلام "مملكة الخواتم". وهو أيضاً شكل من أشكال النبوءة ذاتية التحقق

لذا لا تستهن بالكلمة الطيبة التي لا تلقي لها بالا او الكلمة المثبطة التي لا تلقي لها بالا فربما تكون تلك الكلمة هي المؤثرة في حياة الشخص، وتصبح الحد الفاصل بين النجاح والفشل.

هذا عن ظن المرء بغيره من الناس. فماذا عن ظنه بالله؟

وفي ذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده " رواه ابن ابي الدنيا".

ما أروع حسن الظن بالله حين يظن الإنسان وهو موقن، بأن بعد الكسر جبرا، وأن بعد العسر يسرا، وأن بعد التعب راحة، وبعد المرض شفاء أو كما قال الشاعر:.
قل للذي ملأ التشــاؤم قلــبه .. ومضى يضيق حولنا الآفاقا
سر السعادة حسن ظنك بالذي .. خلق الحياة وقسم الأرزاقا

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: [أنا عند ظن عبدي بي].
من ظن بالله خيرا أفاض عليه جزيل خيراته وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين أدهشه الله من عطائه بما يفوق خياله، فالله جل جلاله يعامل عباده على حسب ظنونهم به، ويفعل بهم ما يتوقعونه منه وفوقه.

تخيل معي أننا عندما نظن خيراً في الناس، فيكون خيراً لهم. ونعجب لذلك

وإن كان ظننا في الله القادر على كل شيئ الغني الوهاب، فكيف يكون عطائه
إذا دعوت فظُنّ بالله خيرا أنه سيستجيب دعاءك، وإذا أنفقت في سبيل الله فظُنّ بالله خيرا أنه سيخلف عليك، وإذا تركت شيئا لله فظُنّ بالله خيرا أنه سيعوضك خيرا مما تركت، وإذا استغفرت فظُنّ بالله خيرا أنه سيغفر لك وسيبدل سيئاتك حسنات.

ووصف القرآن حال نبي الله موسى مع فرعون .. إذ قال موسى لقومه لما قالوا: {إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلي موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} سورة الشعراء.
وقال محمد صلى الله عليه وسلم للصديق يوم جاء أعداؤه إلى الغار {لا تحزن إن الله معنا} سورة التوبة ، وقال: [ياأبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما]؟

لكي نجتذب التأثير الإيجابي فلا طريق غير حُسن الظن بالله، ولكي نغير الناس من حولنا فالطريق هو حُسن الظن بقدراتهم ونواياهم.

وفي ذلك يقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12]، فأمر سبحانه باجتناب الكثير لا كل الظن، وقال: إن بعض الظن إثم ولم يقل: إن كل الظن إثم، فدل ذلك على جواز الظن السيء إذا ظهرت أماراته، وذلك من فطنة المؤمن، والحكيم من يستطيع التفرقة بينهما.

قوة التأثير شبراوى خاطر الجارديان المصرية