الثلاثاء 22 يوليو 2025 08:30 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

محمد الشافعى يكتب : يا سورية .. هل تحرر الشعب السورى أم تحرر بشار الأسد؟

الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى
الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى

تشهد سوريا لحظة تاريخية حاسمة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، لكن التساؤلات الجوهرية تطفو على السطح( هل ما حدث هو تحرير حقيقي للشعب السوري أم مجرد تبديل في أشكال القهر؟ ) الواقع المعقد في سوريا اليوم يطرح إشكاليات عميقة تتجاوز مجرد سقوط النظام لتصل إلى أسئلة وجودية حول طبيعة "التحرر" وماهيته في ظل تدخلات إقليمية ودولية ومشهد داخلي ممزق.
**سقوط الأسد: تحرير أم استبدال نظام بقمع جديد؟
يشير سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 إلى نهاية حقبة استمرت خمسة عقود من الحكم ، حيث فر بشار الأسد إلى روسيا تاركاً وراءه دولة منهكة .
لكن هل تحرر الشعب السوري فعلاً؟ الواقع يشير إلى أن السيطرة انتقلت إلى تحالف معارض بقيادة هيئة تحرير الشام (التي يقودها أحمد الشرع المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني) ، وهي جماعة إسلامية متشددة ذات تاريخ مع تنظيم القاعدة.
** المخاوف من استبدال القمع
الكثير من السوريين يعبرون عن مخاوفهم من أن يكون ما حدث مجرد استبدال لقمع نظام الأسد بقمع جديد تحت مسمى "التحرير". فالهيئة تتبع أيديولوجية إسلامية متشددة وقد اتهمت بانتهاكات حقوق الإنسان . كما أن المشهد السياسي الجديد يفتقر إلى الوحدة، حيث تتنازع الفصائل المختلفة على النفوذ والمناطق .
** تدمير الدولة السورية: بين الواقع والمخاوف
يشير الانهيار السريع للجيش السوري إلى عمق الأزمة الهيكلية التي كانت تعاني منها مؤسسات الدولة.. فالجيش الذي كان يُعتبر أحد أهم أركان نظام الأسد انهار في أيام قليلة، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان "التحرير" قد جاء مصحوباً بتدمير كامل للدولة ومؤسساتها .
** مخاطر الفراغ الأمني
مع انهيار الجيش النظامي، برزت مخاوف من تحول سوريا إلى ساحة لحرب أهلية جديدة بين الفصائل المتنافسة، حيث لا توجد قيادة موحدة للمعارضة .. هذا الفراغ الأمني قد يؤدي إلى مزيد من التفتت والعنف، خاصة مع وجود تقارير عن صراعات محتملة بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا .
**التدخلات الخارجية: "تحرير" أم احتلال جديد؟
*التوسع الإسرائيلي في الجولان .. من أكثر الجوانب إثارة للقلق هو التحرك الإسرائيلي السريع لاحتلال مناطق جديدة في محافظة القنيطرة بعد سقوط النظام، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن اتفاق الحدود 1974 مع سوريا لم يعد ساري المفعول .. هذا التوسع يطرح تساؤلات جادة عما إذا كان "التحرير" من نظام الأسد قد فتح الباب أمام اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية.
** الأجندات الإقليمية والدولية
تتداخل مصالح عدة قوى في المشهد السوري، فتركيا تدعم الجيش الوطني السوري، بينما تدعم الولايات المتحدة القوات الكردية في الشمال الشرقي .. هذه التدخلات تثير شكوكاً حول ما إذا كان "التحرير" يخدم أجندات خارجية أكثر مما يخدم مصالح الشعب السوري.
**المجتمع السوري: التمزق بين الولاءات والهويات
بعد سنوات من الحرب، أصبح المجتمع السوري ممزقاً بين ولاءات متعددة
تظهر تقارير عن محاولات لإنشاء دولة علوية في مناطق اللاذقية وطرطوس بدعم روسي ، مما يعكس عمق الانقسامات التي قد تهدد وحدة سوريا. وما يحدث فى السويداء مع طائفة الدروز .
**غياب الرؤية الموحدة للمستقبل
المعارضة السورية تفتقر إلى رؤية موحدة لمستقبل سوريا، حيث تختلف الرؤى بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين المؤيدين للدولة المركزية وأنصار الفيدراليات .. هذا الغياب للرؤية الموحدة يجعل عملية "التحرير" الحقيقية أكثر تعقيداً.
**سورية تحتاج عقل راشد وتماسك شعبي**
الوضع في سوريا اليوم يشبه المشهد بعد العاصفة، نظام الأسد سقط، لكن الأسئلة حول ما سيأتي بعده أكثر تعقيداً.
"التحرير" الحقيقي لا يعني فقط إسقاط الطاغية، بل بناء نظام جديد عادل يضمن حقوق جميع السوريين، ويحفظ وحدة البلاد، ويوفر الأمن والاستقرار.
سوريا اليوم بحاجة ماسة إلى:
1- عقل راشد يقود المرحلة الانتقالية بعيداً عن التطرف والانتقام
2- تماسك شعبي يوحد السوريين فوق الانقسامات الطائفية والسياسية
3- صمود أمام الأطماع الخارجية التي تتربص بالبلاد
4- رؤية واضحة لمستقبل سوريا تحقق تطلعات الشعب في الحرية والكرامة

الطريق إلى التحقيق الحقيقي طويل وشائك، لكن دروس الماضي القريب يجب أن تكون نبراساً للمستقبل.. نجاح أي ثورة لا يُقاس بالإطاحة برأس النظام الحاكم، بل بمدى قدرتها على بسط السيطرة على الأرض، وتحييد الأعداء والخصوم، وبناء بديل سياسي واجتماعي قادر على تحقيق أهداف الثورة والحفاظ على مكتسباتها .

محمد الشافعى يا سورية .. هل تحرر الشعب السورى أم تحرر بشار الأسد ؟ الجارديان المصرية