خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( موسم الرحيل أم الترحيل عن أوروبا ...!؟ )


تتسابق دول الاتحاد الأوروبي هذه الأيام على التخلص من المهاجرين ، إذ أصبحت خطط الترحيل ، محلياً و اتحادياً ، الشغل الشاغل للحكومات ، ما يعكس تفاعلاً معقداً بين العوامل السياسية والاجتماعية و القانونية .. و ينبع هذا الاهتمام من مزيج من تدفقات الهجرة المتزايدة ، و التحولات السياسية ، و المخاوف الأمنية ، و التحديات في أطر اللجوء و الهجرة القائمة .. و توّجته المفوضية الأوروبية بوضع نهجٍ جديدٍ للعودة سيدخل حيّز التنفيذ في منتصف عام 2026 ، و سيسمح بمعالجة طلبات اللجوء بشكل أسرع .. و من المتوقّع أن يدفع النظام الجديد آلاف السوريين و العراقيين و الأفغان و المغاربة إلى مغادرة القارة خلال الشهور المقبلة .. و يبدو أن عشرية الهجرة العارمة التي شهدتها القارة منذ 2015 بدأت تغلق قوسها ، و هو ما سيزيد من التحديات الاقتصادية و الاجتماعية في الشرق الأوسط ..
فقد شهدت أوروبا تدفقات هجرة كبيرة خلال العقد الماضي ، مدفوعةً بعوامل كالصراعات و التفاوتات الاقتصادية و التغيرات البيئية .. و قد تلقت دولٌ مثل ألمانيا و السويد عدداً كبيراً من طلبات اللجوء ، ما شكل ضغطاً كبيراً على مواردها و بنيتها التحتية .. وقد سلّط التوزيع غير المتكافئ لطالبي اللجوء بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الضوء على قيود لائحة دبلن ، التي تُلزم أول دولة دخول بمعالجة طلبات اللجوء .. وقد أثقل هذا النظام كاهل الدول الحدودية مثل إيطاليا و اليونان بشكل غير متناسب ، ما أدّى إلى دعواتٍ إلى إصلاح شامل ..
على المستوى السياسي ، أثّرت أزمة الهجرة بشكل كبير على المشهد السياسي في أوروبا .. و قد غذّت المشاعر المعادية للمهاجرين صعودَ الأحزاب اليمينية المتطرّفة في دول مثل فرنسا و ألمانيا و النمسا و هولندا و السويد .. و قد استغلّت هذه الأحزاب المخاوف العامة في شأن التكامل الثقافي و المنافسة الاقتصادية و الهوية الوطنية ، ما دفع الكيانات السياسية الرئيسية إلى اعتماد سياسات هجرة و ترحيل أكثر صرامةً لاستعادة ثقة الناخبين ، فضلاً عن التحديات الأمنية - الحقيقية حيناً و الوهمية في أحيانٍ كثيرةٍ - إذ رُبطت الحوادث المتعلقة بالمهاجرين ، في بعض الأحيان ، بتهديدات أمنية ، ما زاد من مخاوف العامة ودفع الحكومات إلى تشديد إجراءات الترحيل .. على سبيل المثال ، أدت حالات ارتكاب أفراد رُفضت طلبات لجوئهم جرائم إلى تكثيف النقاشات بشأن فعالية سياسات الترحيل . و قد أدّى ذلك إلى طرح مقترحات تهدف إلى تسريع عمليات الترحيل و سدّ الثغرات القانونية التي تسمح للأفراد بالبقاء في أوروبا رغم افتقارهم إلى الوضع القانوني ..
لكنّ التوجه نحو الترحيل ليس حلاً سحرياً .. حيث يواجه هذا النهج تحدياتٍ كثيرةٍ على المستوى العملي .. ففي عام 2020 أُمر أكثر من 480 ألف شخص بمغادرة الاتحاد الأوروبي ، لكن واحداً فقط من كلّ خمسة امتثل .. ويُعزى هذا المعدل المنخفض من الامتثال إلى عوامل مثل الطعون القانونية ، و قلة تعاون دول المنشأ ، و العقبات اللوجستية .. لذلك توجهت المفوضية الأوروبية نحو سياسة توسيع الحدود من خلال إنشاء مراكز العودة في دول ثالثة لإيواء الأفراد الذين ينتظرون الترحيل ، وهي سياسة تتعرض للكثير من النقد الحقوقي و الثغرات القانونية .. إذ تنطوي عملية الترحيل على اعتبارات قانونية و أخلاقية .. و يلجأ العديد من المهاجرين إلى المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تحمي الحقّ في الحياة الأسرية للطعن في أوامر الترحيل .. و قد أدّى ذلك إلى نقاشات حول الموازنة بين الحقوق الفردية و تطبيق قوانين الهجرة ..
و إضافةً إلى ذلك ، أثارت تقارير عن سوء المعاملة أثناء عمليات الترحيل مخاوف في شأن الامتثال لمعايير حقوق الإنسان .. و قد أثّر التركيز على عمليات الترحيل أيضاً على نظام اللجوء الأوسع .. فقد تفاقم تراكم قضايا اللجوء بسبب المطالبات الزائفة و الطعون القانونية ، ما أدّى إلى اكتظاظ مراكز الاحتجاز و إطالة أمد حالة عدم اليقين التي يعيشها اللاجئون الحقيقيون .. و قد أدّى هذا الوضع إلى استنزاف الموارد ، و أبرز الحاجة إلى آليات معالجة أكثر كفاءة .