الإثنين 23 يونيو 2025 07:27 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( ”سلام” ترامب … أم إستسلام إيران …؟!)

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

بعد مرور عشرة أيام من عمر الحرب الإسرائيلية الإيرانية و التى شاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية ، لم يتخيّل أحد أن "المهمة القذرة" التي يقوم بها نتنياهو بالنيابة عن دول الغرب ، وفقاً للمستشار الألماني المحبّذ والمؤيّد ، ستكون على هذه الدرجة من الاختراق والفاعلية ..

و بعد الضربة الأمريكية الإسرائيلية على مفاعلات إيران الثلاثة النووية لم يعد في إمكانها إمتلاك مفاعلات نووية أو حتى إحياؤها بالطريقة التي اتّبعتها طوال عقدَين و نصف ، سرّاً و علناً ، بين تأزّم و تفاوض ، تجميد و تعليق و تفعيل ، و صولاً إلى اتفاق 2015 الذي بالغت في اعتباره "انتصاراً تاريخياً" لمشروعها الأكبر و الأشمل : تكريس نفوذها الإقليمي .. ولم يكن مفهوماً لماذا ناورت كل هذا الوقت أو لماذا بنت مفاعلات في باطن الأرض إذا كانت تطمح فقط إلى برنامج نووي "سلمي"..

لكن الحلف الأميركي - الإسرائيلي ، حلف دونالد ترامب و بنيامين نتنياهو ، فرمل هذا الانتصار عام 2018 ، و فرض سياسة "الضغوط القصوى" عليها و عقوبات أميركية أشد قسوة على اقتصادها .. وما لبثت طهران أن أخفقت في انتهاز "المهادنة" التي عاملتها بها إدارة جو بايدن فاشترطت و ماطلت في إحياء الاتفاق ، إلى أن عاد ترامب الى البيت الأبيض ، بل عاد متعجّلاً فاقد الصبر و يريد الانتهاء من هذا الملف في أقرب وقت ، خصوصاً أن "صديقه" الإسرائيلي كان أنجز الكثير من الأعمال التمهيدية بإضعاف إيران و شلّ أذرعها من غزّة إلى لبنان وسوريا ..

و مع ذلك ، لم يتخيّل أحد أن "المهمة القذرة" التي يقوم بها نتنياهو بالنيابة عن دول الغرب ، وفقاً للمستشار الألماني المحبّذ و المؤيّد ، ستكون على هذه الدرجة من الاختراق و الفاعلية .. حيث شكّلت هذه "المهمة" فرصة لترامب كي يصنع التاريخ على متن طائرات "بي 2" قاذفاً للمرّة الأولى قنابل "جي بي يو 57" الخارقة للتحصينات ، و ليعلن أن الولايات المتحدة دخلت حرب إسرائيل - إيران ، علناً و رسمياً ، و أن الجيش الأميركي "نفّذ ضربات دقيقة واسعة النطاق على المنشآت النووية الرئيسية الثلاث للنظام الإيراني : فوردو و نطنز و أصفهان"، ودمّرها "بشكل تام و كامل" ..

و كان ترامب قد أعلن "مهلة أسبوعين" لاختبار ما تستطيع الدبلوماسية تحقيقه كي يتجنّب هذه الضربات .. لكنه استخدم فكرة المفاوضات ، للمرة الثانية خلال أسبوعين ، لتمرير "خدعة الحرب"، الأولى التى ساهمت فيا الضربات الإسرائيلية المباغتة ، و الثانية في تغطية الضربة الكبرى للمنشآت الثلاث .. فقد حقّق ترامب بالقوة و خلال دقائق ما لا تستطيع الدبلوماسية تحقيقه في شهور و سنوات .. قبل ذلك جرى تصوير قراره بأنه "صعب" ، لكنه كان اتخذه فعلاً ، أما الوقت القصير المستقطع فاستهلكه لمعالجة إنقسام الرأي داخل إدارته و حزبه و تياره الشعبي ("جعل أميركا عظيمة مجدداً") ، كذلك لإنهاء التحضيرات اللازمة للضربة و ما بعدها أو لإظهار أن المفاوضات (عبر الأوروبيين) لن تكون مجدية ، سواء لأنها لن تأتي بـ"الاستسلام غير المشروط" الذي عرضه على إيران ، أم لأنه توقّع مسبقاً أن "إيران تريد التحدّث معنا ، فأوروبا ليست قادرة على إنهاء النزاع" .. و إذا كانت إيران وضعت تصوّراً لتنازلاتها فإنها لن تقدمها الى الأوروبيين بل إلى أميركا ..

فمشكلة إيران أنها منذ عُرض عليها التفاوض قبل شهرين اعتقدت أنها استعادت فرصتها لاستعراض قدراتها على الجدل ، على رغم أن تجربتها مع هذا الرئيس الأميركي كان ينبغي أن تعلّمها أنه لا يتيح لها ترف الوقت .. و عندما بدأت التفاوض فعلاً اعتقدت أنها يمكن أن تعيد فرض سيناريوهات قديمة استخدمتها مع إدارة باراك أوباما ، و لم تلتقط أن ترامب قرر التفاوض على إنهاء البرنامج النووي و لم يكن مهتماً باستعادة "اتفاق 2015" بل بفرض خيار "صفر تخصيب" لليورانيوم .. ثم أنه كان واضحاً جداً في وضع التهديدات الإسرائيلية جنباً إلى جنب مع التفاوض ، لكن طهران اعتبرت أنه يناور و أنها محصّنة ، و بدا واضحاً أنها كانت تجهل إلى أي حدّ كانت مخترقة استخبارياً .. صحيح أن خسائرها العسكرية (و المعنوية) الجسيمة في الضربات الأولى كانت تتطلّب منها أن تعود الى المفاوضات باقتراحات متقدمة (من خارج الصندوق العقائدي) ، إلا أن الحديث الهاتفي بين عراقجي و ستيف ويتكوف ثم اللقاء مع الأوروبيين كانا كافيين لإقناع ترامب بأن شيئاً لم يتغيّر في عقلية التفاوض الإيرانية ..

و وسط تبادل التهاني و الشكر مع نتنياهو ، و الإشادة بالجيشين الأميركي و الإسرائيلي ، رأى ترامب أن ثمة "سلاماً" ينبغي أن ينبثق عن الدمار الكبير لمنشآت فوردو و نطنز و أصفهان .. فقال : "إما أن يكون هناك سلام و إما ستكون هناك مأساة لإيران أكبر بكثير"، مشيراً إلى "العديد من الأهداف المتبقية ، و إذا لم يتحقّق السلام بسرعة ، فإننا سنلاحقها بدقة و سرعة و كفاءة ، و معظمها يمكن تدميره في دقائق". لكن السلام الذي كان ترامب يتصوره لحظة إعلان إنجازه العسكري الضخم لا يختلف عن "الاستسلام" الذي كرّر عرضه على إيران و رفضه المرشد علي خامنئي .. و بالنسبة إلى نتنياهو و ترامب ، فإن "الأهداف المتبقية" ربما تتمثل في ضرب القوة الصاروخية الإيرانية التي استطاعت إشاعة حالة خوف و هلع في إسرائيل ، وبالتالي إيجاد شيء من "توازن الرعب" معها .. و ربما تشمل أيضاً إمكان اغتيال خامنئي بهدف تغيير النظام ، و هو ما يشكّل دافعاً قوياً للأذرع الإيرانية للعودة الى القتال و استهداف القواعد و المصالح الأميركية فى المنطقة .

خالد درة بالعقل أقول…( ”سلام” ترامب … أم إستسلام إيران …؟!) الجارديان المصرية