الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:41 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول ...( العرب ... ووطنية سايكس بيكو )

خالد درة
خالد درة

وقف سلمان الفارسي على حافة نهر دجلة ليعبر بجيش الفاتحين برفقة القائد العظيم سعد بن أبي وقاص لإسقاط عاصمة الفرس ( المدائن ) ، وعبر سعد نهر دجلة من أضيق مكان فيه بنصيحة سلمان الفارسي على خيولهم ، وعند عبور النهر قال لهم: ( إعبروه مثنى مثنى ). وذلك حتى يكونوا عوناً لبعضهم البعض .. ثم أشار القائد إلى رفيقه الذى سيخوض النهر معه ، وهو سلمان الفارسى !! نعم فارسى ، حيث كان سلمان الفارسى يقاتل بنى قومه ويسعى لإسقاط دولتهم مع جيش من الفاتحين من غير بنى جنسه ولا قوميته ولا وطنيته ، والعجيب أنه لم يكن الوحيد من يفعل ذلك ، بل كان فى الجيش عشرات آخرين ، وربما مئات أو آلاف ممن هم مثله وقد إنضموا لجيش الفاتحين يقاتلون جيوش قومهم ويعينون عليهم !!! ...
هل نحن أمام خيانة وطنية ؟؟!!!.
وفى ناحية أخرى أيضاً من العالم ، وفى وقت آخر …جيشان مصطفَّان أمام بعضهما لم يحدث بينهما قتال بعد ، وأحد الجيشين هو جيش الإمبراطورية الرومانية ، ويخرج من الجيش الرومى القائد ( جرجه) وهو أحد قواده البارزين ، ويطلب مقابلة خالد بن الوليد رضى الله عنه أمير الجيش الآخر ، فخرج له ... فلما إقتربا من بعضهما البعض وكلُ منهما رافع سيفه وماسك درعه ، طلب القائد الرومى الأمان من خالد ؛ فأمّنه خالد وخفض سيفه ، فخفض الآخر سيفه .. ولكن إحتمى كل منهما بدرعه خشية الخيانة من الآخر ، وأقترب كل منهما من الآخر ، فى وسط الأرض الفاصلة بين الجيشين دار بينهما حوار لدقائق ... فلا يكاد ينتهى ذلك الحوار حتى ينطلق القائد الرومى مع غريمه خالد إلى خيمته ، ثم يخرجان بعد وقت ليس بالطويل منها ، ليقاتل القائد الرومى إلى جوار غريمه خالد ضد جيوش بنى قومه ، وضد جنود وطنه حتى يلقى الله وهو على ذلك ...
هل تلك خيانة وطنية اخرى؟؟!!!...
و فى مقاييس ( الوطنية ) المستحدثة ، فإن ما فعله ذلك الفارسى هو خيانة تستوجب الإعدام ، ولو تمت محاكمته هو وأمثاله من المنضمين إلى جيش الفاتحين أمام محاكم العصر الحديث ، لأتهموهم بالخيانة العظمى ، ولربما سحبوا منهم جنسية دولتهم و أعلنوهم خونة مجرمين .
الحقيقة أن هؤلاء فعلوا ما فعلوه لأنهم كانوا يحملون عقيدة تَربّوا عليها وحَدّدت لهم حقيقة الموالاة ، إنهم تَربّوا على قول الحق ( إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) ، ووعت قبل آذانهم كلمات رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أَلا وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِيَّ ) .
فتعلموا أن الموالاة التى تكون للقوم والقبيلة والعشيرة هى جاهلية ، وأن الموالاة للجنس العربى جاهلية ، وأن كل موالاة لغير الله ورسوله ودينه جاهلية ، وتعلّموا أيضاً أن المسلمين أمة واحدة ، وأرضهم واحدة ، ودولتهم واحدة ، ودماءهم واحد ، وعدوهم واحد ، ونصرهم واحد .
والغريب أن تلك الأمة هى التى أقامت ووضعت منذ بدايتها ونشأتها موالاة واحدة فقط وتبعية واحدة فى عقيدتها ، وهى أن هذه العقيدة والموالاة لا تكون إلّا لله فقط .. وتحت أقدامها عادت بعد عقود طويلة لتلتقط نوعاً آخر من الموالاة وترفعه فوق رأسها ، ولكنها لم تلتقطه من تحت أقدامها ، بل من تحت أقدام أعدائها!!!.
نعم اليوم .. قد أصبحت الموالاة للأرض ! فالموجودون على تلك المساحة من الأرض المسماة ( وطن ) هم من يستحقون النصرة والمحبة والبذل ، أما من هم خارجها فموالاتنا لهم أقل ، أو لا موالاة على الإطلاق ، فلا دخل لنا إن حاصرهم أعداء الأمة حتى الموت جوعاً، أو قتلوهم بقصف الطيران والمدافع مثلما يحدث هذه الأيام .. ولا دخل لنا طالما أننا آمنون على قطعة الأرض التى سمّيناها وطن .

لكن الغريب هو أننا لسنا نحن من إخترنا الوطن ووضعنا حدوده !.
فالحقيقة المُرة هى أن أعدائنا هم من حددوا الأوطان ورسموا حدودها .. فبعد أن عانوا قُروناً طويلة من ( الأمة الواحدة ) التى تبنى ولائها على الأساس العقيدي الذى نزل فى الشريعة الربانية ، هذه الأمة الواحدة ذات الوطن الواحد المترامى الأطراف بين الصين والمحيط الأطلسي ، كان لابد من تمزيق تلك الأمة ليتمكنوا من هزيمتها والتسلط عليها والتحكم فيها ونهب ثرواتها والسيطرة على عقولها .
فأوجدوا خدعة الحدود التى تُمزق الوطن الواحد لأوطان عدة تكون الحركة والتنقل بينها بوثائق خاصة للسفر تُعطَى بناءاً على جنسية ووطنية مرتبطة بالحدود المرسومة ، لكن تمزيق الأمة و( قولبتها ) داخل حدود (سايكس بيكو ) لم يكن ليكتمل دون ( قولبة ) أخرى لعقول أبناء تلك الأمة ، وإجراء غسيل مخ لعقولها ...ولذلك إختلقوا الوطنية أو ما يسمى بالوطنية الحدودية ، التى صنعوها وأختلقوها لتضييق أفق المسلمين وإيجاد بديل يفرقهم ويصرفهم عن وحدتهم التى هى سر قوتهم ، فتتقولب العقول أولاً ويتم إعادة برمجتها ليضيق أفقها وتُقطّع أحبال الموالاة تحت إسم الوطنية المحمودة الرائعة المزعومة . وبهذه الطريقة هم أنفسهم المسلمين يقومون بتمزق أنفسهم بأنفسهم وتشتيت أمرهم وتفريقهم .. و يعتبرونه شيئاً محموداً لهم لا مذموماً ، ومنحة وعطاءاً لا سلباً .
وهكذا أصبحت حدود ( سايكس بيكو ) هى أُسُس موالاة وقواعد الأمة ، وأصبحت حدود العقول قبل أن تصبح حدود الأرض .. وهذه هى المشكلة الحقيقية . أصبح تقوقع أوصال الأمة الممزقة داخل حدودها المصنوعة منذ عقود قليلة بيد أعدائها هو الصواب المطلق اذا ما قارناه بوحدتها التى دامت على مدى قرون طويلة ، بل أصبح مجرد التفكير فى إستعادة تلك الوحدة ( خيانة وطنية ) لا يمكن السكوت عليها ، ورجعية لا يحتمل مناقشتها . أما الدعوة لتحرر العقول من تلك ( السايكس بيكو ) المسماة ( بالوطنية) فتلك هى الجريمة الكبرى والذنب الذى لا يغتفر .
ونحن متى نخرج من ذلك التيه والتوهان الذى تاهت عقولنا في دروبه وظلماته ونتحرر منه؟؟!