د.أحمد رفاعي يكتب : حالة تي .. بي .. كااااااال ! .....تيبيكال !!! قصة قصيرة
جلسنا على أريكة خشبية بسيطة , في صالة إنتظار المرضى بالعيادة التى تقع فى الدور الثاني من إحدى البنايات القديمة بميدان المنشية !
اليوم, هو موعد المراجعة النهائية لإمتحان عملى الباطنة .. و الدكتور مصطفى ما زال لديه بعض المرضى فى صالة الإنتظار !!
قطعنا الملل بمراجعة ما تعلمناه فى الدروس السابقة !
كيف نقيس الضغط دون وضع السماعة ؟!!
كيف نقيس درجة الحرارة دون وضع الترمومتر؟ !!
كيف نفرق بين أمراض القلب المختلفة باستخدام السماعة و جهاز الضغط فقط , دون أن نلمس المريض ؟ !!
هكذا علمنا الدكتور مصطفى , أو كما قال كلمته المشهورة ( كله بالفكاكة ) !!
...............................
فرغت العيادة أخيراً من المرضى ... و لم يتبق فيها أحدٌ سوى ثلاثتنا , بالإضافة إلى شخصٍ رابع , قصير البنية , متورم الخدود , , يقف وحيداً يدخن سيجارة بجوار الشباك المطل على الميدان !
..............................
: ياللا يا دكاترة ... الدكتور مصطفى مستنيكم جوه !
بصوتٍ متحشرج , قالها عم ( سعيد ) .. تمرجى العيادة العجوز ضئيل الحجم و الصوت , و هو ممسكٌ بجردل ماء , مشمراً بنطلونه , متأهباً ( لتسييق ) العيادة بعد يوم حافل !
.......................
دخلنا إلى غرفة الكشف , التى استحالت فى دقائقٍ قليلة إلى غرفة للدروس الخصوصية !
سبورة بيضاء ! .. أحضرها الدكتور مصطفى من خلف الستارة !.. بعد أن قام عن مقعده , نازعاً عن نفسه البالطو الأبيض, ليكشف عن كرشٍ كبير لم يفلح قميصه فى ستره كلية ً , فبرز من أسفله , متدلياً أعلى البنطلون !!
إلتقط الدكتور مصطفى قلماً أحمراً عريض , مستديراً باتجاه السبورة , كاشفاً عن ( خلفية ) تماثل حجم كرشه , ثم قال بصوته الجهورى
: النهاردة عندنا حالة إمتحان مضمونة يا ولاد ! .. يعنى تقدروا تضمنوا كده العشر درجات بتاعتها فى جيبكم من دلوقت !!
ثم كتب على السبورة باللغة الإنجليزية:
( ميترال ستينوزيس و ميترال ريجيرج )
: بصوا بقى يا ولاد !.. مافيش في الدنيا أسهل من تشخيص ( الميترال ستينوزيس ) , و( الميترال ريجيرج) ! .. وزى ما قلت لكم قبل كده ... كله بالفكاكة ... إزاي تِبلِف الممتحن و تكلفته و تحطه فى عبك و انت حاطط رجل على رجل !
لو حطيتوا السماعة على صدر المريض , و سمعت ( لاب ... ضاب ... لاب ... ضاب ) , تبقى ميت فل و اربعتاشر.... ( ميترال ستينوزيس ) و انت مغمض بالصلاة على النبي !
أما لو سمعت ( لاب لاب .. ضاب ضاب ... لاب لاب .. ضاب ضاب ), يبقى انت بتلعب فى ( الميترال ريجيرج ) يا سيدي , و انت سايب ايدك !
لا تقولى بقى ( بيركاشان ), و لا خد نفس ... و لا طلع نفس .. و لا كح ... و لا تقيس لى ضغط , و لا دياوله !! .. خلص خلص على طول و انجز , و بالطريقة دى تكتب ( الشيت ) بتاعك فى دقيقتين و تخلص الحالة قبل الممتحن ما يخلص فنجان القهوة بتاعه , خلاااص ... مفهوووم ؟؟
: مفهوم يا دكتور !
: طيب .. نطبق الكلام ده بقى عملى ... الحالة اللى معانا النهاردة , حالة تيبيكال ( ميترال ستينوزيس )... هو قاعد بره دلوقت , هو أغلى من غيره شوية لأن حالته حالة تيبيكال , لكن يستاهل .. بحبحوا إيديكم معاه شوية !
ثم نادى بأعلى صوته : ياااااااا عجمي !
و ما هى إلا ثوانٍ , ليدخل علينا وارم الخدود , قصير البنية, و ما زالت سيجارته في يده , ليلقي علينا التحية بصوتٍ واهنٍ , يتناسب عكسياً مع كلبظة جسده !
: مساء الخير يا تكاترة
: إزيك يا عجمى .. أخبارك ايه ؟ .. مش قلت لك تبطل السجاير اللى هتجيب أجلك دى ؟
: معلش بقى يا توكتور ... الكيف غلاب حدرتك !
: طيب يا عجمى .. يللا اخلع الفانلة عشان الدكاترة يكشفوا عليك
: على تول يعنى كده حدرتك ؟ .. مش برضه يعنى , حدرتك يعني !
: ماتقلقشي يا عجمى ... الدكاترة هيشبرأوك كويس .. هم عارفين انها أيام امتحانات و مش هيقصروا معاك !
................................
بخبرة واضحة , و خطوات متتالية قد تعود عليها , اتخذ عجمى مجلسه على الشيزلونج .. معرياً نصفه الأعلى تماماً ... فى حين جاء من على يمينه الدكتور مصطفى ممسكاً سماعته الطبية , ثم وضعها على صدره.!
سكت و استرق السمع قليلاً .. ناظراً إلى سقف غرفة الكشف ..مغمضاً عينيه ..... متمتماً مهمهماً ... قائلاً فى همسٍ مسموعٍ للجميع :
تمام ... أمممممم ... تمام تمام ....... أمممممم ... تمام تمام ... تيبيكال ... تي ... بي ....كااااااااااا ال !
تعالوا بقى ياولاد , و اسمعوا , و أنا هامسك لكم السماعة .. ركزوا كويس ..( تيبيكال ميترال ستينوزيس )... هتسمعوا ( لاب ... ضاب .... لاب ... ضاب ) , على أصول أصولها ... مين هيبدأ ؟
: أنا يا دكتور
: تعالي يا أحمد .. و زى ما قلت لك .. معاك حالة ( تي .... بي ... كااااااال )... لاب ... ضاب .... لاب .... ضاب !
............
وضعت السماعة فى أذنى .. فى حين ثبت آخرها الدكتور مصطفى على صدر عجمى , و لم أسمع إلا ضجيجاً مثل قطارٍ فقد عجلاته !!
نظرت إلى الدكتور مصطفى بنظراتٍ يملؤها الشك , و قبل أن أهم بفتح شفتاى , إلا و قال بصوته الأجش : إيييييييييييييييه رأيك ؟ .. بأقولك ...، تي ... بي ... كاااااااااااااااااااااال . صح ؟
: صح يا دكتور , بس الضربات شوية مشوشة يعني !
: إسمع تانى و ركز ... مش هتشوف حالة ( تيبيكال ) زى دى تانى ... أي نعم الخبرة لها دور , و أكيد ودنك مش زي ودني .. لكن الحالة دى حالة درس ...( تيبيكال ميترال ستينوزيس ).. تعالى اسمع تانى و ركزززززززززززز !
.......................
رحت أسمع تاني !!
و سمعت ما سمعته أولانى ! !!!!
لكنى خشيت أن أُتهم بالغباء , خاصة مع إصرار الدكتور مصطفى على أنها حالة تيبيكال !!
فقلت على إستحياءٍ
: فعلاً يا دكتور ... لاب ... ضاب .. لاب ... ضاب !
: تمام .... ياللا ......مين اللى بعد أحمد ؟
جاء من بعدى , ثم تلاه الآخرون , و فعل مثلما فعلت , وفعل الدكتور مصطفى مثلما فعل معى , صائحاً : شفت بقى ؟ زى ما قلت لك بالضبط تي ... بي .... كااااااااااااااااال ......... لاب ... ضاب ... لاب .... ضاب !
احفظوها و اطبعوها فى دماغكم زى ما هى كده .. عشان تفرقوا بينها و بين الميترال ريجيرج , اللى هتكون ( لاب لاب ... ضاب ضاب ... لاب لاب ... ضاب ضاب ) , ماشى؟
أومأنا جميعنا بالموافقة على ما قاله الدكتور مصطفى , رغم أن نظراتنا لم تتفق على ما اتفقت عليه كلماتنا أبداً !!!
.....................
ثم بعد أن انتهينا جميعاً من الكشف على عجمى - المريض المزمن - الذى ( لهف ) مبلغ محترم من كل واحد فينا , دار حوار قصير خافت , لكنه مسموع , بينه و بين الدكتور مصطفى , غلفته بعض الجدية
: شوف لى حالة ( انكيلوزيس ) يا عجمى ضرورى .. عندى مجموعة بكرة بالليل !!
: هم اتنين بس يا توكتور اللي عندهم ( انكيلوسس ).. (عبعزيز) و ( محمه على ) !
: شوف لى أى واحد فيهم !
: المشكلة حدرتك إن ( عبعزيز ) تعبان اليومين دول , و( محمه على ) هو اللى شغال فى السوق لوحده !!
: خلاص .. شوف لى محمد على !
: بس ( محمه على ) زود أجرته الايام دى عشان هو لوحده !!
: مش هنختلف يا عجمى , كلمه و احجزه لى , و أنا و الولاد هنراضيه كويس .. احنا مقصرناش معاه قبل كده !
: ماشي يا تكترة .. سلام بقى عشان عندى مجموعة تانية
: بالسلامة يا عجمى
......................................
ثم إلتفت إلينا دكتور مصطفى ,مبتسماً إبتسامة ثقة قائلاً
: خلاص يا ولاد ؟ .. عرفتوا الفرق بين الستينوزيس , و الريجيرج ؟ .. عايزكم بقى و انتم مروحين دلوقت , تراجعوا اللى خدناه ده و تحفظوه زى أساميكم بالظبط ... ياللا مع السلامة !
..........................
خرجنا من عياده الدكتور مصطفى منهمكين طوال الطريق بمراجعة ما درسناه و محاولة عدم الخلط بين ( لاب ... ضاب ...لاب .. ضاب ) بتاعة الميترال ستينوزيس !
و ( لاب لاب ... ضاب ضاب ... لاب لاب ... ضاب ضاب) , بتاعة الميترال ريجيرج !!!
..........................
ثم بعد عده أيام كان أول يوم للإمتحان العملى !!
تم توزيعنا من قبل النائب المختص على بعض الأَسرَّة فى العنبر , و انت و بختك يابو بخيت !!
استعنت ببعضٍ من آيات الذكر الحكيم , متمتماً بكل الأدعية التى أحفظها بأن ييسر لى الله كل عسير !
إقتربت من السرير المقرر أن يحتوى ( حالة إمتحانى ) !
كان مريضاً مستلقياً على جنبه الأيسر !
ثم بعد أن ألقيت عليه السلام مرتجفاً , إستدار ليعطينى وجهه , ليقفز قلبي من مكانه فرحاً !!
فلم يكن مريضى و حالة إمتحاني إلا ................. عجمى !!
لم أستطع السيطرة على سعادتي بالعشر درجات المضمونين في جيبي من قبل ما أشوف المريض أصلاً , لينطلق صوتي فرحاً
: يابركة دعاكي يامّه !!
حبيبي يا عجمى , يا وش الخير !
العشر درجات كاملين يا عجمى !
لاب .. ضاب .. لاب .. ضاب .. تيبيكال ميترال ستينوزيس ! .. تي بي كااااال يا أحلى عجمى فى الدنيا كلها !
: هههههههههههههه طيب بس ما تفرحشي أوى كده بس يا توكتور !
: و مين قالك إنى فرحان ؟ .. ده أنا هأطير من الفرحة !! .. لاب .. ضاب ... لاب ... ضاب . . ميترال ستينوزيس ... تي ... بي .... كااااااااااااال .. تيبيكال !
: يا توكتور سدأنى !! .. و لا ميترال ستينوسس , و لا ميترال ريكيرش !!
: يعنى ايه مش فاهم !!!!
: هههههههههههههههههه يعنى أنا لا عندى ده , و لا عندي ده !!
: أومال ال لاب ... ضاب ... لاب ... ضاب , اللى سمعناه ده كان إيه ؟
: يا توكتور احنا هندحك على بعضشينا !! .. بذمتك إنت سمعت حاجة من دى ؟
: أ أ أ يوة .. ط ط طبعاً .. سمعت ! .. هو كان مشوش شوية , لكن سمعت !! .. و الدكتور مصطفى قال لنا انها تيبيكال ميترال ستينوزيس !
: خلاص ... إنت حر ... ميترال ستينوسس .. ميترال ستينوسس ! .. براحتك يا تكترة .. و كلها دقايق و ييجى الممتحن و يمتحنك بنفسه , و وقتها هيعرفك أنا عندي إيه بالزبت !
: طيب يا عجمى , أومال إنت عندك إيه ؟
إعتدل من نومته , متكئاً على المخدة , رافعاً طرفها , قائلاً بصوتٍ خفيض , واضعاً يده اليسرى على جانب فمه
: تلاتين جنيه دخلهم تحت المخدة !
: يا عجمى خليهم عشرين !... ده أنا لسه عندى اتنين مرضى تانيين بعدك !
: تلاتين جنيه يا توكتور .. ده الموسم بتاعنا و كل سنة و انت تيب !
أخرجت الثلاثين جنيه , و وضعتهم تحت طرف المخدة ..ثم سألته و الدهشة ما زالت تمسك بتلابيبي :
: يعنى انت ما عندكش ميترال ستينوزيس ؟ !!
: هههههههههههه.. لأ .. أنا عندى ( أورتيك ستينوسس) !!
: أورتيك ستينوزيس !!! ... طيب ليه دكتور مصطفى قال لنا إن عندك ميترال ستينوزيس ؟ !!
: أصله ما كانش بيلاقي مرضى يشرح عليهم .. فكل مرة كان بيشرح عليا للطلبة بتشخيص شكل !!
.......................
(( سكووون مطبق سيطر على الأجواء .. ماعدا صوت صراصير حقل , يمتليء بها عنبر الباطنة , في الدور السادس , من المستشفى الميري بالأزاريطة , تصل صرصرتهم إلى عيادة الدكتور مصطفى .. في ميدان المنشية !!! ))












إصابة 11 عاملا إثر انقلاب ميكروباص بالمنيا الجديدة
إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة نصف نقل بطريق السويس الإسماعيلية
مصرع شخص سقط من الطابق الرابع بأكتوبر
الداخلية تكشف حقيقة خطف موظفة والتعدي عليها بالجيزة
أسعار الذهب اليوم الأربعاء فى محلات الصاغة
أسعار الذهب اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025
أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025
سعر الذهب في الصاغة اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025