خالد درة يكتب : بالعقل أقول ...(حصار غزة أم حصار العرب !؟)


بعد أكثر من ثمانين يوماً
بلا غذاء و دواء و مياه و كهرباء، و بعدما تصاعد التململ الدولي ، خصوصاً الأوروبي ، أمكن للجواسيس و المرتزقة الذين استقدمتهم الأجهزة الأميركية و الإسرائيلية أن يعلنوا عن آلية جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية ، بواسطة شركة وهمية سُمّيت "مؤسسة غزة الإنسانية"، وحُددت مناطق معينة لا يمكن الوصول اليها إلا بالنزوح من شمال قطاع غزّة الى جنوبه ، و هذا نزوحٌ بلا عودة لتسهيل عملية التهجير .. و سرعان ما تبيّن أن مراكز التوزيع صمّمت لتكون "مصائد للجوعى"، و هو توصيف أطلقته "حماس" و تبنّته جهات دولية مستقلّة ، لأن الحصول على كرتونة مساعدة "انسانية" صار مكلفاً جداً ، و غير المهانة و الإذلال ، هناك الموت برصاص من يدّعي أنه يقدم "المساعدة".. و كان الخبر "الجيّد" لإسرائيل أن معظم العشرات الذين يُقتلون يومياً هم من الأطفال و الشباب .. أما الخبر "الجيد" الآخر فهو أن توزيع المساعدات شكّل مناسبة لإعلان "رسمي" عن وجود "ميليشيا ياسر أبو شباب" التي استخدم جيش الاحتلال وجودها في المكان لتحميلها تبعة القتل .. و بعدما تحدث قادة إسرائيليون مراراً عن إيجاد هيئة فلسطينية محلية - بديلة من "حماس"- لم يجدوا سوى مهرّبين وتجار مخدرات و أصحاب سوابق في نهب المساعدات لتسليحهم و تدريبهم و الاعتماد عليهم في الإشراف على "إدارة" القطاع و أمنه !..
و إذا كانت الإدارة الأميركية صادقة ، من جهة ، في دعمها الدولة اللبنانية لبسط سلطتها على أراضيها كاملة ونزع سلاح "حزب الله "، فإنها مراوغة ، من جهة أخرى ، لأنها تعرف جيداً أن منحها إسرائيل "حق" العربدة العسكرية و احتلال أراضٍ لبنانية لا يتيح استعادة الدولة و تحقيق الأهداف المتوخاة ، إذ أصبحت الدولة موضع ابتزاز ثلاثي : من أميركا و إسرائيل ، ومن "الحزب"..
و من الواضح بالنسبة الى سوريا أن الإسرائيليين لا يواجهون أي خطر أمني ، بل انهم على العكس يفصحون عن نيات و خطط ترمي إلى تقسيم البلد ، و لما لم يجدوا استجابة إقليمية أو دولية (حتى الآن) فإنهم يديمون حال عدم الاستقرار في انتظار ظروف أكثر ملاءمة لأهدافهم ..
أما في غزّة ، وكذلك في الضفة الغربية ، فقد ثبت بالأدلة القاطعة عجز إدارة دونالد ترامب عن إنهاء حرب منتهية أصلاً ولا تحتاج إلا الى قرار حاسم من واشنطن .. لكن المفاوضات النووية التي مال اليها ترامب جعلت بنيامين نتنياهو وعصابة المتطرفين يوجّهون حروبهم للتشويش على تلك المفاوضات ، سواء بالغارات على ضاحية بيروت وعلى سوريا ، أو بتكثيف القتل اليومي للمدنيين في غزة .. قال جان- إيف لودريان إن إسرائيل "تعيش انهياراً اخلاقياً و توشك أن تصبح دولة منبوذة"... فهل هذا يُحرج ترامب؟ أم انه منشغل بخلافه مع إيلون ماسك ..
و على الجانب الآخر .. فالمشهد عشية عيد الأضحى كما يرويه مراقبون لبنانيون : شوارع بيروت وضاحيتها الجنوبية مكتظة بسيارات النازحين مجدداً ..و أحياء في الضاحية و غيرها تطلق ألعاباً نارية احتفالاً بالعيد .. و الطائرات المدنية تهبط في مطار بيروت .. وفي الوقت نفسه تغِير مقاتلات إسرائيلية بقنابل خارقة على أهدافها ..
و كان متداولاً أن الجيش الإسرائيلي أبلغ الجيش اللبناني ، عبر القوة الدولية (اليونيفيل)، معلومات عن مواقع "تصنيع مسيّرات" أو مخازن أسلحة لـ " حزب الله" في الضاحية ، لكنه لم يترك للجانب اللبناني وقتاً للتحقق و التصرّف ، بل أنذر السكان بأنه يعدّ للإغارة على ثمانية أبنية، ثم نفّذ تهديده .. تردّد أن الجيش مُنِع من تفقدّ مبنىً أو اثنين ، لكن من دون تأكيد .. هل كانت "المعلومات" صحيحة أم مجرد ذريعة للقصف و التنكيل بالمواطنين؟ .. فالأكيد أن العدو الإسرائيلي لا يتصرّف كـ "دولة" موقّعة على اتفاق لوقف النار بل كطرف دائم التعطّش للقتل و التدمير .. هناك لجنة مراقبة لوقف النار ، غير أن قيادتها الأميركية باتت إمّا شكلية لا يعوّل عليها بشيء و لا فائدة منها ، و إما خاضعة كلياً لعدوانية إسرائيل ، و بالتالي صارت مهمتها إدارة استمرارية الحرب ، ليس ضد "حزب إيران" فحسب بل أيضاً ضد الدولة اللبنانية ..
و من ناحية أخرى .. يُجري الجانبان السوري و الإسرائيلي اتصالات للتفاهم على خفض التوترات.. أكثر من جهة دولية و عربية شجّعت على إقامة هذه الاتصالات في عواصم خارجية أو في المنطقة الحدودية ، فيما واظبت دمشق على تأكيد أنها "لن تكون مصدر تهديد لأي طرف في المنطقة" ، إذ أن تدمير إسرائيل قدراتها العسكرية يمنعها من الردّ على الاعتداءات و الاستفزازات المتكررة منذ اطاحة النظام السابق .. و عندما أُطلق صاروخان على منطقة مفتوحة في الجولان المحتل ، وتبنى العملية تنظيم غير موجود سمّي "كتائب الشهيد محمد الضيف"، بدا ذلك كأن هناك طرفاً يقدّم ذريعة لإسرائيل كي تُفلت مقاتلاتها فوق قرى محافظة درعا وبلداتها .. قد تكون "كتائب الضيف" افرازاً من فلول "حماس" أو الأجهزة الإيرانية في سوريا ، وقد تكون من اختراعات "الموساد"، إذ أن عمليتها لم تحمل دعماً للقضية الفلسطينية و لا نُصرةً لسوريا بل كانت خدمةً لطرف يريد اثبات أنه لا يزال موجوداً في سوريا ، أو كانت خدمةً لغرائز إسرائيل كي تمارس مزيداً من الإرهاب و الترويع .