الخميس 18 أبريل 2024 06:14 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

تاثيره و تطبيقية على حوض النيل...

أيمن عبداللطيف يكتب : الضوابط القانونية الحاكمة لانشاء المشروعات المائية على األنهار الدولية

أيمن عبداللطيف المحامى
أيمن عبداللطيف المحامى

تعد المصادر المائية من الثروات الطبيعية والضرورية الستمرار الحياة االنسانية
ولوجود الكائنات الحية كافة , ويرمز لها اليوم الى سيادة الدولة وسلطانها , تماما
كاألرض والفضاء ويعتبر استخدام الدول لمياه األنهار الدولية التي تجري بإقليمها, من
الحقوق المقررة لها والثابتة بمقتضى مبادئ وأحكام القانون الدولي العام, ومن ثم فلها
الحق في استغالل هذه الموارد بكافة الوسائل والطرق المشروعة لتحقيق التنمية
الشاملة لصالح شعوبها, وهو األمر الذي ينطبق على كافة الموارد الطبيعية الموجودة
داخل الوالية اإلقليمية لهذه الدول, إال أن هذه القواعد نفسها التي أعطت هذا الحق في
الستغالل جاءت وقيدت مباشرة الدول لهذا الحق بعدة ضوابط قانونية ضماناً لتحقيق
الستخدام المنصف والرشيد لكافة دول الحوض)1.)
وأضحى هناك التزام واضح على دول الحوض الواحد, يتمثل في ضرورة وجود
توافق عام بين دوله عند شروع أحداها فى إقامة المشروعات المائية, وانتهاج التشاور
والتفاوض للوصول إلى هذا التوافق بشأن هذه المشروعات, على اعتبار أنهم يشتركون
في مورد طبيعي مشترك, مما يقتضي تعاونهم للوصول إلى أقصى منفعة ممكنة لجميع
دوله, وفي ذات الوقت حماية هذا المورد وتنميته.
ومن المالحظ تزايد االتجاه نحو تشييد وبناء السدود المائية خصوصاً فى دول منابع
األنهار, مما قد ينجم عنه آثار سلبية على الجوانب االقتصادية واالجتماعية والصحية
والبيئية.
ويعد التخطيط للمشروعات المائية على المجاري والبحيرات المائية المشتركة , من
أهم أسباب التوتر في العالقات الدولية وقد أشارت العديد من التقارير الدولية إلى أهمية
معالجة هذه المشكلة , حيث ورد بتقرير اللجنة الدولية للسدود الصادر عام 2002
إقامة مشروعات السدود الضخمة وما تتطلبه من عمليات تحويل لمسار المجاري الدوليه
مظاهر الحياة البرية والمائية لإلنسان
والحيوان في هذه المناطق)0.)
وهناك مجموعة من الضوابط القانونية
في القانون الدولي تحكم عمليات إنشاء
المشروعات ومن بينها إنشاء وتدشين
السدود المائية, وهذه الضوابط تم إقرارها
في العديد من المواثيق واإلعالنات
واالتفاقيات الدولية, والتطبيقات القضائية ,
فضالً عن الممارسات العملية لها على
صعيد األحواض النهرية.
والسد هو إنشاء هندسي يقام فوق واد
أو منخفض بهدف حجز المياه, وهي من
أقدم المشروعات المائية التي عرفها
اإلنسان, ويتم تصنيفها حسب أشكالها
والمواد المستخدمة في بنائها, واألهداف
التي شيدت من أجلها, وهناك عدة معايير
أساسية يجب مراعاتها عند بناء السدود
المائية مثل عوامل التضاريس
والجيولوجيا وغيرها من عوامل أخرى,
ويلزم قبل بناء السدود المائية, جمع الكثير
من البيانات والمعلومات المرتبطة بالموقع
المراد إقامته وبعد اختيار موقع السد
ينصب االهتمام بعد ذلك على إيجاد حلول
فنية بشأن تحويل المجرى األصلي للنهر
تحويالً مؤقتاً ريثما يتم حفر األساسات
ووضع القواعد الخرسانية, ويجب مراعاة
الشروط الهندسية والجيولوجية الالزمة
لبناء السدود, كما يجب معرفة الحالة
التكونية, والنشاط الزلزالي لمنطقة السد,
وكذلك إجراء الدراسات الهيدرولوجية, من
حيث كمية األمطار الساقطة والمياه
السطحية, وهيدرولوجية المياه الجوفية,
والوضع الطبوغرافي واحتساب السعة
التخزينة للسد, وقوة تحمله والقوى
المختلفة المؤثرة على السدود المائية, وقد
قامت بعض الدول بإنشاء بعض اللجان
والهيئات الوطنية لبناء السدود, مثل
اللجنة الوطنية االسترالية للسدود الكبيرة )
ANCOLD )وتقوم هذه اللجنة بتصنيف
األخطار المحتملة قبل البدء في بناء
السدود, وكيفية منع أو تخفيض اآلثار
المحتملة)3. )
وانطالقاً من خطورة اآلثار المترتبة على
إنشاء المشروعات المائية وبخاصة
السدود, والمتنامي تشييدها أخيراً على
مستوى األنهار الدولية, وتحديداً على
منابع األنهار, في ظل ندرة الموارد
المائية, والتأثيرات السلبية المتالحقة
لظاهرة التغيير المناخي ... كل ذلك كان
دافعاً لي الختيار هذا الموضوع لدراسته
من الناحية القانونية, والوقوف على مدى
التزام دول حوض النيل بتطبيق هذه
الضوابط عند إقامة المشروعات المائية.
إلنشاء املشروعات املائية الدولية
أضحت الضوابط القانونية الحاكمة
إلنشاء المشروعات المائية على األنهار
الدولية من المبادئ القانونية واجبة االتباع
من قبل الدول النهرية عند تدشين وبناء
تلك المشروعات, وذلك بقصد تحقيق
االستخدام األمثل والمنصف لصالح دول
الحوض المشترك , وفي الوقت ذاته منع نشوب المنازعات الدولية بينها, بما قد
يهدد حالة السلم واألمن الدوليين, والتي
تحظى باهتمام بالغ من الجماعة الدولية
وهو هدف نبيل ورد النص عليه ضمن
مقاصد وأهداف األمم المتحدة, وذلك ضمن
ميثاق األمم المتحدة الصادر في عام
.1491
وسوف تقسم الدراسة في هذا المبحث
إلى مطلبين إثنين هما:
المطلب األول : مفاهيم الضوابط
الموضوعية إلنشاء المشروعات المائية.
المطلب الثاني :مفاهيم الضوابط اإلجرائية
إلنشاء المشروعات المائية.
املطلب األول
مفاهيم الضوابط املوضوعية
إلقامة املشروعات املائية على األنهار الدولية
نشأت قواعد القانون الدولي للمياه, في
رحم الممارسات العملية والعرفية للدول
النهرية على مستوى األحواض الدولية
منذ قرون خلت, وأصبحت قواعد قانونية
ملزمة ومستقرة في وجدان وضمير
الجماعة الدولية, وتهدف هذه القواعد إلى
تنظيم العالقات بين دول الحوض الواحد
في شأن عمليات استخدام وتقاسم مياهه
وتلعب الضوابط الموضوعية دوراً هاماً في
ضمان تحقيق االستخدام األمثل والمنصف
لمياه المورد المائي المشترك وتتمثل في
مبادئ عدم اإلضرار وحماية البيئة المائية
بوجه عام.
مفهوم مبدأ عدم اإلضرار
يعتبر مبدأ عدم اإلضرار من المبادئ
الجوهرية في مجال استخدامات مياه
األنهار الدولية, حيث بات مستقراً وتم
إقراره في العديد من اإلعالنات والمواثيق
واالتفاقيات الدولية, فضالً عن التطبيقات
القضائية له, ومن الثابت أن هناك قاعدة
قانونية قديمة استقرت في القانون
الروماني نصها : "استعمل ما هو مملوك
لك دون اإلضرار باآلخرين " األمر الذي
بدعونا إلى محاولة الوقوف على المفهوم
الدقيق لوصف الضرر وبيان األساس
القانوني لمبدأ عدم إحداث الضرر.
اوالً: تعريف الضرر
يقابل "الضرر" على وجه العموم عدة
مصطلحات إنجليزية متنوعة, فيطلق
أو,I n j u r y أوD a m a g e عليه
. )9( Harmأو,Lossأو, Detriment
ويعرف الضرر بأنه : " انتهاك لحقًًّ
قانونيًًّ معنيًًّ . ويعرف أيضاً بأنه : مساس
بحق أو مصلحة مشروعة ألحد أشخاص
القانون الدولي )1 .)وتدخل الدولة في
نطاق المسئولية متى تسببت في إحداث
الضرر, بحيث يترتب على هذا الضرر
إنقاص لنصيب دولة متشاطئة من دول
الحوض للمياه, أو ينتج عنه إحداث نقص
في كمية المياه المتدفقة نحو بقية الدول
المتشاطئة. أو إحداث تأثيرات على نوعية
المياه عن طريق صرف الملوثات الطبيعية
أو الصناعية في النهر )6.)
ويذهب بعض الفقه إلى أن الضرر في
مجال استخدامات مياه األنهار الدولية يمثل
التأثير على كمية المياه أو جودتها العابرة
للحدود لدولة متشاطئة أخرى)7 .)
 الجهود العلمية الدولية بشأن تحديد
مفهوم الضرر المعمول به:
اختلف فقهاء القانون الدولي حول
أوصاف الضرر واجبة االعتبار : حيث ذهب
الفقيه دي بار, والذي تولى صياغة قواعد
مدريد 1411,إلى ضرورة السماح بقدر
من الضرر بحيث يتوقف عند حد الخطير
Grave؛ حيث رأى أنه من اإلجحاف
إيقاف االستخدام من قبل دول المنابع, إذا
لم يرق لمرتبة الضرر الخطير, في حين
يرى الفقيه إندراسي وصف الضرر
بالخطير Serious عندما قام بصياغة
المادة الرابعة من قواعد سالزبورج عام
1461 ,ويذهب فريق فقهي آخر إلى أن
مفهوم الضرر يرتبط بمعيار التدفق
الطبيعي إذ يرى أن االعتداد بالقاعدة
القانونية التي تقرر استخدام ما لك من حق
دون إضرار بحقوق اآلخرين, يعد نتيجة
طبيعية لمعيار التدفق الطبيعي, وبالتالي
هذا المعيار يقوم على منع إحداث أية
تغييرات سلبية في المجرى المائي سواء
من حيث الكمية أو الجودة )8.)
وهناك عدة جهود علمية بذلت من قبل
الهيئات العلمية وبعض الجهات المعنية
باستخدامات مياه األنهار الدولية, في شأن
تحديد مفهوم الضرر المعمول به ونرى أنه
من األحرى بنا التعرض ألهم هذه الجهود.
أ- مفهوم " الضرر" في أعمال مجمع
القانون الدولي:
تضمنت المادة الرابعة من قواعد
سالزبورج لعام 1461 ,والصادرة عن
المجمع, النص على مبدأ عدم إحداث
الضرر بصورة عامة, واستخدمت للتعبير
عن مصطلح الضرر التأثير بصورة خطيرة
Affect, Seriously ,وانتهى المجمع
إلى استخدام مصطلح خطير Serious
كوصف الضرر, بالرغم من اعتراض
بعض أعضاء المجمع, وطالبوا باستبداله
بمصطلح مهم Important ,على اعتبار
أنه األكثر قرباً إلى المفاهيم القانونية من
المصطلح المختار, إال أنه تم اعتماد النص
األول)4 .)
ب- مفهوم " الضرر" في أعمال رابطة
القانون الدولي:
من الثابت أن الجهود التي بذلتها رابطة
القانون الدولي في مجال تحديد مفهوم
الضرر بشأن استخدام مياه األنهار الدولية
قد مر بمراحل ثالثة:
 مفهوم " الضرر" في ضوء مؤتمر
دوبرفينيك 1416:
يمكن التأكيد في هذا المقام على أن
الرابطة انتهجت في هذه المرحلة مسلك
الحرص في معالجتها لمفهوم الضرر,
وذلك من خالل الموازنة بين المنافع
واألضرار, بما يعني معالجة الضرر في
ضوء كل حالة, ولم يتم األخذ بوصف
محدد للضرر إال في موضع الحديث عن
التلوث, حيث تم استخدام مصطلح الضرر
الكبير Substantial.
 مفهوم "الضرر" في قواعد 1466:
نصت المادة الخامسة على العوامل التي
من خاللها يتم تحديد النصيب المنصف
والمعقول, ومن بين هذه العوامل ما يتعلق
بمسألة تجنب الفقد غير الضروري أثناء
استخدام مياه األنهار الدولية, وكذلك ما يتعلق بالمدى الذي يمكن معه إشباع
حاجات الدولة دون أن تنجم عنه أضرار
كبيرة لدول أخرى من دول الحوض . كما
نصت المادة العاشرة من القواعد نفسها
عند معالجتها لمسألة تلوث األنهار الدولية
على ضرورة االلتزام بالعمل على منع أي
أشكال للتلوث, أو بمنع أي زيادة في
درجته, والتي من شأنها أن تسبب أضراراً
كبيرة في أراضي دولة أخرى مشتركة في
الحوض نفسه . فضال عن ضرورة اتخاذ
كافة التدابير المناسبة للتقليل من تلوث
مياه الحوض . هكذا يتضح لنا أن رابطة
القانون الدولي قد تثبت مفهوم "الضرر
الكبير" في شأن كافة األضرار العامة.
 مفهوم "الضرر" في قواعد برلين:
تحولت الرابطة عن تبني مفهوم
" الضرر الكبير " , إلى تبني مفهوم
"الجوهري" Significant ,ويعد تحوالً
جوهرياً في وصف الضرر, ويأتي ذلك
نتيجة للتأثر بأعمال لجنة القانون الدولي
عند وضعها لمسودة االتفاقية اإلطارية
لألمم المتحدة بشأن االستخدامات غير
المالحية لألنهار الدولية لعام1447(12.)
ج- مفهوم الضرر في أعمال لجنة القانون
الدولي:
مر وصف "الضرر" في أعمال لجنة
القانون الدولي بمرحلتين مهمتين, حيث
تبنت القراءة األولى لنصوص مسودة
االتفاقية اإلطارية لألمم المتحدة بشأن
االستخدامات غير المالحية لألنهار الدولية
لعام 1447 ,وصف "الضرر الملموس "
Harm Appreciable ,وذلك وفقا
للتقرير الذي قدمه ستيفن شوبيل المقرر
الخاص للجنة, ثم جاء المقرر الخاص
إيفنسن الذي عين خلفا لشوبيل وقدم
تقريره األول متضمناً تأييده لما ذهب إليه
شوبيل, ثم أثناء تولي ستيفن ماكفري
المقرر الخاص لعمله, بعد إيفينسن ظهرت
بعض االعتراضات على مفهوم "الضرر
الملموس". وانتهت القراءة األولى إلى
صياغة المادة السابعة والتي جاءت تحت
عنوان " االلتزام بعدم إحداث الضرر
الملموس", وقد اعترضت العديد من الدول
على مصطلح الضرر الملموس, وسجلت
في معرض مالحظاتها على مجمل نصوص
القراءة األولى للجنة على أساس أن
مفهوم "الضرر الملموس " يتضمن داللتين
متعارضتين؛ حيث يحمل في طياته مفهوماً
لضرر يمكن احتماله, وآخر يتجاوز
المقدرة على االحتمال, مما من شأنه خلق
تضارب في التفسير , وانتهى المقرر
الخاص للجنة روزنستوك إلى أن الدول
رفضت مفهوم " الضرر الملموس "
وفضلت مصطلح "جوهري" باعتباره أكثر
انضباطاً)11 ,)وبالتالي تم تعديل وصف
الضرر بكافة نصوص المسودة ليطابق
الوصف الجديد, والذي تم تبنيه في اتفاقية
األمم المتحدة لعام 1447.
د- وصف "الضرر" في سياسات البنك
الدولي:
اتبع البنك الدولي سياسة مرنة بشأن
مسألة تمويل المشروعات المائية , وتمثل
ذلك في تقدير كل حالة على حدة, غير أن
المبدأ السائد والحاكم لسياسة البنك الدولي
هو عدم التسبب في ضرر ملموس لدولة
مشاطئة جراء األشغال واألعمال ،